عنوان الفتوى : مذاهب العلماء فيمن أدرك أقل من ركعة كاملة قبل خروج الوقت
استيقظت من النوم وقد بقي على وقت الظهر عشرون دقيقة وكنت متعبا جدا وناعسا وأخذت بكل الأسباب الممكنة لأستيقظ مبكرا إلا أنني لم أستيقظ، ونهضت بعد مدة من الزمن وذهبت إلى الحمام لأقضي حاجتي وأتوضأ للصلاة، وعند خروجي من الحمام تفاجأت أنه لم يبق على صلاة العصر إلا دقيقة واحدة، فكبرت للصلاة بنية الأداء، وقبل أن أركع أذن للعصر، فأتممت الصلاة بنية الأداء، فما حكم الصلاة؟ وهل أعتبر معذورا، لأنني غفلت في الحمام عن الوقت؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس عليك ـ إن شاء الله تعالى ـ إثم في تأخيرك الصلاة وهذا حالك، سواءً وقعَتْ أداءً أم قضاءً، لما في صحيح مسلم عن أنس مرفوعاً: إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ، أَوْ غَفَلَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي.
والغفلة عن وقت الصلاة مما يعذر به الإنسان، ثم يطالب بأدائها إذا ذكرها، كما في الحديث المار، وكما جاء عند مسلم عن أنس أيضاً: مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا.
وفي رواية: لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ.
ومن أخر الصلاة لهذا العذر وغيره إلى بقاء ركعة وأدركها في الوقت وقعت له أداءً مع عدم الإثم، بخلاف من أخرها بلا عذر إلى آخر وقتها بما لا يسع الصلاة كلها، فإنه يأثم وإن وقعت أداءً، قال زكريا الأنصاري الشافعي في أسنى المطالب: ولو أدرك في الوقت ركعة لا دونها، فالكل أداء، لخبر الصحيحين: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ـ أي مؤداةً، والفرق بين الركعة ودونها أنها تشتمل على معظم أفعال الصلاة، إذ معظم الباقي كالتكرير لها، فجعل ما بعد الوقت تابعاً لها، بخلاف ما دونها، قال: وبإخراج بعضها ـ أي الصلاة ـ عن الوقت يأثم لحرمته وإن كانت أداء.
قال ابن حجر في التحفة: ركعة كاملة بأن فرغ من السجدة الثانية.
وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني: من أخر الصلاة ثم أدرك منها ركعة قبل غروب الشمس فهو مدرك لها ومؤدٍّ لها في وقتها سواء أخرها لعذر، أو لغير عذر، إلا أنه يباح تأخيرها لعذر وضرورة ـ كحائض تطهر، أو كافر يسلم، أو صبي يبلغ، أو مجنون يفيق، أو نائم يستيقظ، أو مريض يبرأ ـ وهذا معنى قوله: مع الضرورة. اهـ.
وعليه؛ فلا إثم عليك، لعذرك، وقد أحسنت بأن سارعت بالإحرام بها قبل خروج الوقت بدقيقة، وهذه الدقيقة تكفي ـ عند غالب الناس ـ لأداء أدنى أركان ركعة، فكان الأولى أن تأتي منها أقل ما يمكن من الأركان مع أقل الطمأنينة خروجاً من خلاف من أوجب ذلك، قال البجيرمي في حاشية الإقناع: إذا كان الباقي من الوقت لا يسع جميع أركانها, فلا يجوز الإتيان بالسنن, ويجب الاقتصار على الواجبات. اهـ.
ونقل سليمان الجمل في حاشية شرح المنهج عن الرملي: أنه قال فيمن أخر إلى وقت لا يسع جميعها أنه لا يجب الاقتصار على الواجبات، لأن الإنسان لا يكلف العجلة في الصلاة، سواء أخر بعذر أم لا، نعم ينبغي وجوب المحافظة على إيقاع ركعة في الوقت. اهـ.
كما إنك قد نويت الأداء وقد بقي ذلك القدر، فخرجت من خلاف من لم يصحح نية الأداء إذا لم يبق من الوقت قدر أدنى ركعة كاملة، إذا كان عالماً عامداً بذلك، قال الشبراملسي الشافعي في حاشية شرح المنهاج: نقل الزركشي كالقَمُولي عن الأصحاب أنه حيث شرع فيها في الوقت نوى الأداء، وإن لم يبق من الوقت ما يسع ركعة، وقال الإمام ـ يعني الجويني، إمام الحرمين: لا وجه لنية الأداء إذا علم أن الوقت لا يسعها ـ أي الركعة ـ بل لا يصح، ثم قال: والصواب ما قاله الإمام، وبه أفتى شيخنا الشهاب الرملي. اهـ.
ثم إنه قد اختلف أهل العلم في حكم من أدرك جزءاً من الصلاة أقل من ركعة كاملة قبل خروج الوقت ـ كما هو الحاصل معك ـ هل تقع أداءً أم قضاءً؟ قال ابن قدامة في المغني: فصل: وهل يدرك الصلاة بإدراك ما دون ركعة؟ فيه روايتان:
إحداهما: لا يدركها بأقل من ذلك, وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب مالك...
والثانية: يدركها بإدراك جزء منها ـ أيَّ جزء كان ـ قال القاضي: ظاهر كلام أحمد أنه يكون مدركاً لها بإدراكه، وقال أبو الخطاب: من أدرك من الصلاة مقدار تكبيرة الإحرام قبل أن يخرج الوقت فقد أدركها، وهذا مذهب أبي حنيفة، وللشافعي قولان كالمذهبين، ولأن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته, وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته ـ متفق عليه، وللنسائي: فقد أدركها ـ ولأن الإدراك إذا تعلق به حكم في الصلاة استوى فيه الركعة وما دونها, كإدراك الجماعة, وإدراك المسافر صلاة المقيم, ولفظ الحديث الأول يدل بمفهومه, والمنطوق أولى منه.
وعليه؛ فما فعلته من المسارعة بالدخول في الصلاة بنية الأداء، صحيح، وأما وقوعها أداءً أم قضاءً: فعلى الخلاف المذكور بين الأئمة.
والله أعلم.