عنوان الفتوى: تشتكي من معاملة زوجها وتصرفاته
علاقتي مع زوجي أصبحت في نظري لا تطاق ، ولا تجلب لي إلا الحزن : لا يكلمني إلا لينتقدني أو ينتقص مني ، ويصل حد التهكم في كثير من الاحيان والتعالي على آرائي ، بل إنه لا يريد أن يعلمني أو يحدثني بمشاريعه ، حتى راتبه وعمله بالضبط لا أعرفه ، يرفض أن أتحدث في أي شيء يخصه لأحد ، لهذا كان دائما يتجسس على مكالماتي ، فهو يعتبر ذلك إلى جانب الغيبة ، إفشاء لأسراره ، لو أحسنت إليه كل عمري ، ثم أذنبت ذنبًا يراه هو كبيرًا ، لا يسامحني أبدًا ، ويبرر ذلك أن هناك أخطاء تبين شخصية الإنسان الحقيقية ، لهذا لا يمكن ان تغتفر . سمعته بالصدفة يتحدث مع أخته عن قدومها إلى حيث نقيم كي تعمل ، من دون أخذ موافقتي ، فحز ذلك في نفسي كثيرًا ، وكيف أنه لا يعتبرني ، فأردت أن أبين أن لي رأيا أيضًا ، فلما أبدى تجاهلا تامًا ورفض أن يبين لي شيئًا ، هددته أن أكلم أبي كي ينقلني من عنده إذا جاءت أخته ، فأخبر أهله بذلك وانقلبت الدنيا على رأسي منه ومنهم إلى الآن . وقال زوجي لي أيضا كلمات هدتني : أنه سيكون خصمي يوم القيامة . فأرجو نصحيتي كيف أتصرف فيما أنا فيه ؟
الحمد لله
مما ينبغي أن يعلم ، وأن يقال : أن البيوت ، كل البيوت : مليئة بالأسرار ، والأحوال
التي لا يعلم بها إلا من عايشها ، وعرف ما فيها .
وتلك طبيعة هذه الدنيا : لم تصف لأحد ، ولم تخل من كد ؛ قال الله تعالى : ( لَقَدْ
خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ) البلد/4 .
ولقد صدق الشاعر حين قال :
طُبِعَت عَلى كدرٍ وَأَنتَ تُريدُها صَفواً مِنَ الأَقذاءِ وَالأَكدارِ
وَمُكَلِّف الأَيامِ ضِدَّ طِباعِها مُتَطَّلِب في الماءِ جَذوة نارِ!!
كل ما نريده منك أن تجتهدي التكيف ، مع ما يمكن التكيف معه ، من هذه المشكلات ،
وتجتهدي في تجاوز ما تقدرين عليه مع زوجك ، وإذا كان بإمكانك أن تراجعي أمورك فيما
بينك وبينه ، بنوع من الحوار والتفاهم .
فإن كان زوجك ممن لا يحب النقاش والتواصل المباشر ، كما تقولين ، فاكتبي له رسائل
تعبرين فيها عما يضرك ، وما يزعجك منه ، فإن ذلك سيتيح له وقتا للتفكير فيما كُتب ،
وتحري في كتابتك الدقة ، وعدم الهجوم بالاتهامات أو باللوم أو بالتقريع ، وأدرجي في
كلامك عبارات مودة واحترام ، وبأن ما حملك على الكتابة هو تمسكك به وحرصك على
علاقتكما ، وبأنك من الممكن أن تخطئي ، فكلنا ذوو خطأ ، وأن خطأك غير مقصود ، كشأن
الناس عامة ، ومن ذا الذي ما ساء قط ؟ ومن له الحسنى فقط ؟ وبأنك في حاجة إلى
تسامحه وإلى غضه الطرف عن بعض هفواتك : ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا
تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور/ 22 .
وإذا تطلب الأمر أن يتدخل بعض الناصحين من أهلك أو أهله ، أو من أهل الثقة والأمانة
والديانة ، والصدق في النصحية لكم ، فهو خير من تراكم المشكلات عليكم ، بلا حل ،
وبلا تفاهم .
وأما بالنسبة لمشكلة أخته وسكنها معكم ، فكنا نحب ألا تنظري إليه من منظور أنه لم
يأخذ رأيك ، ولم يستشرك ، ما دمت قد علمت أن له طبعا ما ، فكان من الممكن ألا
تتوقفي كثيرا عند ذلك .
مع إقرارنا بحقك الشرعي ، والطبيعي : في ألا يكون لك شريك في بيتك ، اللهم إلا أن
تكون ضيفة عندكم ، تجلس وقت الضيافة ، والزيارة المعتاد من مثل حالها ، فليس لك أن
تعترضي على ذلك ، وأما أن تسكن معكم بصفة دائمة ، أو زمنا طويلا ، حيث تعمل ، وليس
لها مكان آخر للإقامة ، فليس من حقه أن يجبرك عليه ، وهو أيضا باب للحساسية
والمشكلات المتكررة .
وينظر جواب السؤال رقم : (81933) ، ورقم : (96455).
لكننا نصدقك النصيحة : أن باب الإحسان إلى الخلق ، والإيثار على النفس ، هو أنفع لك
، وأعظم بركة في الدنيا والآخرة ، ومن الواضح أن علاقة زوجك بأسرته قوية ، ونحن نظن
أن إحسانك إلى أهله ، وإلى أخته خاصة ، وإصلاح علاقتك بهم ، قدر ما تستطيعين : سوف
يساهم في تقليل المشكلات ، وتحسين العلاقة بيني وبين زوجك ، إن شاء الله ، بقدر
ملحوظ .
ولتعلمي يا أمة الله ، أنك مهما صبرت على أذى زوجك ، وتضررك بمعاملته لك ، وحرصت
على الحفاظ على بيتك من الهدم والشتات : فهو خير لك ، وأبر عند ربك ، وأعظم بركة
عليك في الدنيا والآخرة ، وقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )
البقرة/153 ، وقال تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ
وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ
وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة/155-157 ، وقال تعالى : (
وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) آل عمران/146 ، والآيات في ذلك المعنى ، وأشباهه
كثيرة معلومة .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ومن يَتَصبَّر يُصبرْهُ الله ، وما أُعطيَ أحدٌ
مِن عطاءٍ أوسعَ مِن الصبر ) !!
حديث صحيح ، رواه أبو داود (1644) وغيره .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ
خَيْرًا كَثِيرًا ، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ
الْكَرْبِ ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) .
حديث صحيح ، رواه أحمد (2803) وغيره .
ولا نعلم أن عاقلا : يفضل بتر ساقه ، أو قلع عينه : متى آلمته ، وإن اشتد ألمها
وأذاها ، فهو يصبر ، ويصبر ، ويصبر ؛ حتى ولو لم يكن يبصر بعينه حقيقة ، أو يمشي
على ساقه فعلا ، فبقاء صورتها : أفضل عنده من ذهابها بالكلية .
فتدبري أمرك يا أمة الله ، واجتهدي في أن تقيمي حق الله عليك ، وحق زوجك ، بما
تقدرين عليه ، وتستطيعينه ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
ومن عصى الله فيك ، ففرط في بعض حقك ، فأطيعي الله فيه ، وأدي له حقه عليك ، قدر
طاقتك ، وسلي الله الذي لك ؛ فإن شيئا لا يضيع عند أرحم الراحمين .
فإن بلغ بك الأذى والضر مداه ، ولم تقدري على أن تؤدي له حقه ، وأن تصبري على ما
ينغصك من عشرته ؛ فشأنك إذا ، وأنت أبصر بحالك ، وما تقدرين عليه ؛ وقد قال الله
تعالى : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا
جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ
وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ
كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ
النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا
كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا
رَحِيمًا * وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ
اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ) . النساء/128-130
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري |
---|
تشتكي من معاملة زوجها وتصرفاته |
تشتكي من معاملة زوجها وتصرفاته |