عنوان الفتوى : حكم المساواة في الحب بين الله ورسوله وطلب الاستغفار من الرسول بعد موته
عندي سؤالان جزاكم الله خيرا: هل تجوز مساواة الحب بين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ أم أحب الله ثم رسوله؟ وما حكم من طلب الاستغفار من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته؟ وهل هو شرك؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تجوز التسوية بين الله وغيره في المحبة، بل يجب حب الله فوق حب الخلق جميعا، فقد قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ {البقرة: 165}.
قال الإمام ابن القيم في تفسير هذه الآية: أخبر تعالى أن من أحب من دون الله شيئا كما يحب الله تعالى، فهو ممن اتخذ من دون الله أندادا. اهـ.
ويلي محبة الله في الوجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم فيجب حبه حبا يفوق حب الخلائق كلها، ففي الصحيحين: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما. وفي حديث الصحيحين: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. وفي رواية لأحمد: ومن نفسه.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: وَلَيْسَ لِلْخلقِ محبَّة أعظم وَلَا أكمل وَلَا أتم من محبَّة الْمُؤمنِينَ لرَبهم، وَلَيْسَ فِي الْوُجُود مَا يسْتَحق أَن يحب لذاته من كل وَجه إلا الله تَعَالَى، وكل مَا يحب سواهُ فمحبته تبع لحبه، فَإِن الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إنما يحب لأجل الله ويطاع لأجل الله، وَيتبع لأجل الله، كَمَا قَالَ تَعَالَى: قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله ـ وَفِي الحَدِيث: أَحبُّوا الله لما يغذوكم بِهِ من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بَيْتِي لحبي ـ وَقَالَ تَعَالَى: قل إن كَانَ آباؤكم إلى قَوْله: أحب إليكم من الله وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبيله فتربصوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره وَالله لَا يهدي الْقَوْم الْفَاسِقين ـ وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إليه من وَلَده ووالده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ، وَفِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ وَغَيره: من أحب لله وَأبْغض لله وَأعْطى لله وَمنع لله فقد اسْتكْمل الايمان، وَقَالَ تَعَالَى: وَمن النَّاس من يتَّخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله وَالَّذين آمنُوا أَشد حبا لله ـ فَالَّذِينَ آمنُوا أَشد حبا لله من كل محب لمحبوبه. انتهى.
وجاء في شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ الغنيمان: يجب أن يفرق الإنسان بين محبة الله جل وعلا ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن محبة الله جل وعلا محبة عبادة وذل وخضوع، أما محبة الرسول صلى الله عليه وسلم: فهي محبة تابعة لمحبة الله، لأن الله يحبه، ولأن الله أمر بحبه، فهي محبة لله وفي الله، وليست محبة مع الله، لأن المحبة مع الله شرك، كما قال جل وعلا: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ {البقرة:165} وكذلك قال جل وعلا في الآية الأخرى مخبراً عن أهل الجحيم أنهم يعود بعضهم على بعض باللوم ويلوم بعضهم بعضا وهم في النار: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ {الشعراء:97ـ 98} يعني: يسوونهم برب العالمين في المحبة يحبونهم كما يحبون الله. اهـ.
وراجع في جواب السؤال الثاني الفتوى رقم: 42215.
والله أعلم.