عنوان الفتوى : هل يوصف الله تعالى بالعقل ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل قول الله عز وجل : " أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ " فيه إثبات صفة العقل لله عز وجل ؟ سؤالي لأني كنت قد أنكرت على من وصف الله بالعقل ، وقلتُ : بل قل هو عليم حكيم ولا تقل هو عاقل. فالله يذم هؤلاء الذي اتخذوا من دونه شفعاء لا يعقلون ، فهل نثبت لله صفة العقل ؟ أم أن العقل كمال من وجه ولكن فيه نقص من وجه آخر والله منزه عن ذلك النقص ، فهو سبحانه عليم حكيم ولا نقول هو عاقل .

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
أولا :
أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية ، لا مجال للاجتهاد فيها ، فلا يجوز تسمية الله تعالى ، أو وصفه بما لم يأت في الكتاب والسنة .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (158831) .

ثانيا :
سُمِّي العَقْلُ عَقْلًا لأَنه يَعْقِل صاحبَه عَنِ التَّوَرُّط فِي المَهالِك أَي يَحْبِسه ، وَقِيلَ: العَقْلُ هُوَ التَّمْيِيزُ الَّذِي بِهِ يَتَمَيَّزُ الإِنسان مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ .
والرَجُل العاقِل هُوَ الْجَامِعُ لأَمره ورَأْيه ، مأْخوذ مِنْ عَقَلْتُ البَعيرَ إِذا جَمَعْتَ قَوَائِمَهُ ، وَقِيلَ: العاقِلُ الَّذِي يَحْبِس نَفْسَهُ ويَرُدُّها عَنْ هَواها، أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَدِ اعْتُقِل لِسانُه إِذا حُبِسَ ومُنِع الكلامَ .
انظر : "لسان العرب" (11/ 458).
وهذه المعاني إنما تناسب المخلوق الذي يحتاج في تصرفاته إلى ما يميز به الأشياء ، وإلى ما يمنعه من الوقوع في المهالك والورطات ، وهذا لا يجوز في حق الله تعالى ، فلا يوصف الله تعالى بالعقل ، إنما يوصف بالعلم والحكمة والخبرة ؛ كما وصف نفسه ، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا نتجاوز القرآن والحديث ؛ قال تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) البقرة/ 231 ، وقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) النساء/ 11 ، وقال تعالى : (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) الأنعام/ 73 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا ، مشهورة معروفة .

قال شهاب الدين الرملي رحمه الله :
" لَا يَجُوزُ وَصْفُ اللَّهِ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ عِلْمٌ مَانِعٌ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي مَأْخُوذٌ مِنْ الْعِقَالِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَنْ يَدْعُوهُ الدَّاعِي فِيمَا لَا يَنْبَغِي " انتهى من "فتاوى الرملي" (4/ 219-220) .

وقال الحافظ السيوطي رحمه الله :
" الباري تعالى يوصف بصفة العلم ، ولا يوصف بصفة العقل ، وما ساغ وصفه تعالى به : أفضل مما لم يسغ ، وإن كان العلم الذي يوصف به تعالى قديما ، ووصفنا حادث ، فإن الباري لا يوصف بصفة العقل أصلا ، ولا على جهة القدم " انتهى من "الحاوي" (2/ 166) .

وسئل علماء اللجنة :
هل من وصف الله تعالى بالعقل المدبر للتقريب إلى أفهام العامة يكفر أو لا ؟
فأجابوا : " إذا كان الواقع كما ذكر من وصفه الله بالعقل المدبر للتقريب إلى العامة فقد أساء بإطلاق ذلك على الله تعالى ؛ لأن أسماء الله وصفاته توقيفية ، ولم يطلق الله ذلك على نفسه اسما أو وصفا، ولم يطلقه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه لا يكفر لعدم سوء قصده ، ويكفيه في الإيضاح للعامة وغيرهم وصفه تعالى بكمال العلم وإحاطته ، والحكمة البالغة في تقديره وتدبيره في تشريعه وخلقه ، وتصريفه لجميع شؤون عباده ، فذلك يغنيه عن تسميته أو وصفه بما لم يسم ولم يصف به نفسه ، مع ما في إطلاق العقل المدبر عليه سبحانه من مشابهة الفلاسفة في قولهم بالعقول العشرة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/ 198) .

ثالثا :
أما قوله تعالى : ( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ ) الزمر/ 43 .
فمعنى الآية : أن الله تعالى يذم الْمُشْرِكِينَ فِي اتِّخَاذِهِمْ شُفَعَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، وَهُمُ الْأَصْنَامُ وَالْأَنْدَادُ الَّتِي اتَّخَذُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ ، بِلَا دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ حَدَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَهِيَ لَا تملك شيئا من الأمر، بل وَلَيْسَ لَهَا عَقْلٌ تَعْقِلُ بِهِ ، وَلَا سَمْعٌ تَسْمَعُ بِهِ ، وَلَا بَصَرٌ تُبْصِرُ بِهِ ، بَلْ هي جمادات أسوأ مِنَ الْحَيَوَانِ بِكَثِيرٍ .." .
انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/ 91-92) .
قوله تعالى : ( أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ ) توبيخ لهم على ما يفعلونه من اتخاذ ما لا يملك شيئا ، ولا يعقل شيئا : شفعاء عند الله ، وكيف يكون من هذا حاله شفيعا مجابا ، فضلا عن أن يكون إلها معبودا ؟!
كيف تدعون من دون الله جمادات لا تعقل ، وتتخذونها شفعاء عند الله ؟
فلا مدخل لهذا كله بصفات الباري سبحانه ، الذي تنزه عن كل نقص وعيب .

والله تعالى أعلم .