عنوان الفتوى : الحديث المذكور ضعيف، وفضائل (أبي بكر) لا ينكرها إلا مكابر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهما صحة الحديث الذي يروى أن جبريل أبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن الله راض عن أبي بكر فهل أبوبكر راض عن ربه)؟والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه في مقدمة من رضي الله عنهم ورضوا عنه بعد الأنبياء والمرسلين، فهو من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وسماه الله صاحباً للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة:40].
وأجمع أهل السنة والجماعة على أن أبا بكر خير هذه الأمة، وأفضلها بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، كما صرح بذلك الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، والثاني عمر رضي الله عنه، وقال: يجعل الله الخير حيث شاء. رواه أحمد وغيره.
ويدل هذا على قول الله تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى) [الليل:17-21].
فقد حكي الإجماع على أنها نازلة في أبي بكر الصديق، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها عامة، وأول من يدخل في عمومها أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسير: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) أي: وسيزحزح عن النار التقي النقي الأتقى، ثم فسره بقوله: (الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) أي: يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله، وما وهبه الله من دين ودنيا، (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى) أي: ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفاً فهو يعطي في مقابلة ذلك، وإنما دفعه ذلك ابتغاء وجه ربه الأعلى أي: طمعاً في أن يحصل على رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات.
قال تعالى: (وَلَسَوْفَ يَرْضَى) أي: ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات، وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك، ولا شك أنه داخل فيها، وأولى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم، وهو قوله تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى) . ولكنه مقدم الأمة، وسابقهم في جميع هذه الأوصاف، وسائر الأوصاف الحميدة، فإنه كان صديقاً نقياً كريماً جواداً باذلاً لأمواله في طاعة مولاه ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم، ولم يكن لأحد من الناس عنده مِنَّةٌ يحتاج إلى أن يكافئه بها، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل، وبهذا قال له عروة بن مسعود وهو سيد ثقيف يوم صلح الحديبية: أما والله لولا يد لك كانت عندي لم أجزك بها لأجبتك، وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة، فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل، فكيف بمن عداهم؟ ا.هـ
وأما الحديث المسئول عنه، فهو ضعيف الإسناد رواه البغوي في تفسيره، ونقله عنه ابن كثير، وقال: هذا الحديث ضعيف الإسناد من هذا الوجه، ولفظ الحديث هو عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده أبو بكر الصديق، وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال، فنزل جبريل، فقال: ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال؟! فقال: أنفق ماله علي قبل الفتح، قال: فإن الله يقول: اقرأ عليه السلام، وقل له: أراضٍ أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقرأ عليك السلام، ويقول لك: أراضٍ أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟" فقال أبو بكر رضي الله عنه: أأسخط على ربي عز وجل إني عن ربي راض، إني عن ربي راض.
وذكر القرطبي الحديث بزيادة وهي: قال: "فإن الله يقول لك: قد رضيت عنك كما أنت عني راض، فبكى أبو بكر، فقال جبريل عليه السلام: والذي بعثك يا محمد بالحق لقد تخللت حملة العرش بالعبي منذ تخلل صاحبك هذا بالعباءة.
والله أعلم.