عنوان الفتوى : حديث الجساسة بين إنكار ابن عثيمين وإثبات كبار المحدثين
هل صحيح أن سماحة الشيخ الوالد محمد بن عثيمين أنكر حديث الجساسة؟ وإذا كان كذلك لماذا يتمسك به بعض العلماء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحديث الجساسة لم تثبت صحته عند الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ لمعارضته عنده لما هو أصح منه، ولنكارة في سياقه! فقد سئل فضيلته: ذكرتم في الفتوى السابقة أن الدجال غير موجود الآن، وهذا الكلام ظاهره يتعارض مع حديث فاطمة بنت قيس في الصحيح عن قصة تميم الداري، فنرجو من فضيلتكم التكرم بتوضيح ذلك؟
فأجاب بقوله: ذكرنا هذا مستدلين بما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد". فإذا طبقنا هذا الحديث على حديث تميم الداري صار معارضاً له؛ لأن ظاهر حديث تميم الداري أن هذا الدجال يبقى حتى يخرج، فيكون معارضاً لهذا الحديث الثابت في الصحيحين. وأيضاً فإن سياق حديث تميم الداري في ذكر الجساسة في نفسي منه شيء، هل هو من تعبير الرسول صلى الله عليه وسلم أو لا. اهـ.
وقال في موضع آخر: حديث الجساسة يخالف ما ورد في صفة الدجال في الصحيحين أنه رجلٌ قصير، قَطط، جعد الرأس أشبه ما يكون بعبد العزى بن قطن، رجل من قحطان. والجساسة ليس على هذا السياق. اهـ.
وقال أيضا: أن النفس لا تطمئن إلى صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما في سياق متنه من النكارة، وقد أنكره الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره إنكاراً عظيماً؛ لأن سياقه يبعد أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
فسئل: هل قال به أحد من السلف قبل محمد رشيد رضا ؟ فقال الشيخ: لا أعلم، لكن لا يشترط، وأنا لم أتتبع أقوال العلماء فيه؛ لكن في نفسي منه شيء. اهـ.
وأما لماذا يتمسك به بعض العلماء؟ فلأنه ثابت عندهم، غير معارَض، ويكفي أن الإمام مسلماً أخرجه في صحيحه.
وقال الترمذي في (العلل الكبير): سألت محمدا ـ يعني البخاري ـ عن حديث الجساسة، فقال: يرويه الزهري عن أبي سلمة، عن فاطمة ابنة قيس. قال محمد: وحديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس في الدجال هو حديث صحيح. اهـ.
وسئل الألباني عن هذا الحديث: هل هو صحيح، وهل هو مخالف لبعض الأحاديث؟
فقال: حديث الجساسة حديث صحيح، وليس فيه ما يخالف الأحاديث الصحيحة إطلاقًا، وإنما فيه تفاصيل ستقع يومًا ما مما لم يرد ذكره في بعض الأحاديث الصحيحة، وبعضها وقع ... وحديث الجساسة لا شك في صحته لسببين اثنين:
الأول: أنه رواه مسلم في صحيحه.
والآخر: أننا لم نجد في إسناده مغمزًا أو مطعنًا. اهـ.
وأجاب الشيخ على حديث: "ما من منفس منفوسة" بقوله: ما من نص عام إلا وقد خصص، وهذا من ذاك ، .. إلا ما جاء النص يستثني ذلك. اهـ.
وقال في كتابه (قصة المسيح الدجال): اعلم أن هذه القصة صحيحة - بل متواترة - لم ينفرد بها تميم الداري ... فقد تابعه عليها أبو هريرة، وعائشة، وجابر كما يأتي. اهـ.
والله أعلم.