عنوان الفتوى : حكم مال لمريضة بالزهايمر تركته قبل مرضها أمانة عند غيرها
والدة زوجي كبيرة في السن ، ومنذ فترة ليست بالقصيرة أعطتني شنطة خاصة بها ، وطلبت مني أن أحتفظ بها لها ، والآن وقد أصبحت طاعنة في السن أصيبت بمرض الزهايمر ، وهو كثرة النسيان وبشكل كبير ، ولذلك اضطررت إلى أن أفتح الشنطة لأعرف ما بها ، فوجدت بها بعض المال ، مع بعض الذهب الخاص بها ، وقد قررت أنا وزوجي أن نعين لها خادمة تقوم بشؤونها . فهل يجوز لي أن أستخدم نقودها وذهبها في ذلك ؟
الحمد لله.
أولا :
" مرض الزهايمر هو : الشكل الأكثر انتشاراً للخرف عند كبار السن ، والخَرَف هو : اضطراب دماغي يؤثر بشكل خطير على إمكانية قيام الشخص المُسِنّ بنشاطاته اليومية " .
انتهى من " موسوعة الملك عبد الله العربية للمحتوى الصحي " .
فمرض الزهايمر إذا هو ما يعرف عند الفقهاء ، وفي مجتمعاتنا العربية حاليا بـ ( الخَرَف ) .
والخَرِف في الأحكام الشرعية حكمه حكم المجنون .
قال تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى :
" وأما سقوط التكليف عن الخرف الذي زال عقله ، فلا شك فيه " .
انتهى من " إبراز الحكم من حديث رفع القلم " ( ص 98 ) .
وقال أيضا : " الخرف والجنون : أحكامهما واحدة ، وليس بينهما تفاوت " .
انتهى من " إبراز الحكم من حديث رفع القلم " ( ص 99 ) .
ثانيا :
من جنّ وزال عقله :
1- مادام على قيد الحياة ، فملكيته لأمواله باقية ، فلا يجوز أن تقسم على ورثته ،
ولا تصرف في غير مصلحته ، ويحفظ هذا المال إلى أن يشفى ، أو يموت فيقسم على ورثته .
2- يحجر عليه ويُمنَع من التصرف في أمواله .
قال الله تعالى : ( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ
اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ
قَوْلًا مَّعْرُوفًا ) النساء/5 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" ينهى سبحانه وتعالى عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس
قياما ، أي تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها .
ومن هاهنا يؤخذ الحَجْر على السفهاء ، وهم أقسام : فتارة يكون الحَجْر للصغر ، فإنّ
الصغير مسلوب العبارة ، وتارة يكون الحَجْر للجنون ، وتارة لسوء التصرف ؛ لنقص
العقل أو الدين ... " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " ( 3 / 350 ) .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
" قال أحمد : والشيخ الكبير يُنْكَرُ عقله ، يُحْجَرُ عليه ، يعني : إذا كبر ،
واختلّ عقله ، حُجِرَ عليه ، بمنزلة المجنون ؛ لأنّه يعجز بذلك عن التصرف في ماله
على وجه المصلحة ، وحفظه ، فأشبه الصبي والسفيه " انتهى من " المغني " ( 6 / 610 )
.
ثالثا :
في حالة أم زوجك : الواجب أن تُرفع قضيتها إلى المحكمة الشرعية ، إن وجدت في بلدكم
، لتنظر في أمرها وتعين من يكون الولي على مالها ، فإن تعيين من يستحق الحجر عليه ،
وضبط ذلك ، هو من مسائل الاجتهاد التي يرجع فيها إلى حكم الحاكم .
جاء في " كشاف القناع عن الإقناع " من كتب المذهب الحنبلي (8 /394 ) :
" ( ولا يَحجر عليهما ) أي : على من سفه ، أو جُنَّ بعد بلوغه ورشده ، إلا حاكم "
انتهى.
وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" لي والد كبير في السن وهو قد وصل إلى مرحلة التخريف ، وله أرض كبيرة ونرغب في
تخطيطها وبيعها على شكل قطع سكنية ، ولكن يقول البعض من الأخوة ما دام الوالد على
قيد الحياة فلا حق لكم في التصرف ؛ هل يجوز لي أن آخذ صك ولاية من المحكمة لأجل
مصلحته ؟
فأجاب رحمه الله تعالى : إذا كان تصرفه غير سديد : فلا بد أن تبلغ بذلك المحكمة حتى
تتخذ الإجراء اللازم " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " ( 16 / 2 بترقيم الشاملة )
.
فإذا لم توجد محكمة شرعية ، ففي هذه الحالة لأبنائها أن يتفقوا ويختاروا من يقوم على مالها ، ويحفظه لها ؛ فإن الولاية إنما تكون لأولى الناس بالمحجور عليه ، وأحسنهم نظرا في مصلحته .
وقد نقل الروياني عن الشافعي
أن القاضي إذا حجر على البالغ السفيه : " استحب أن يردّ أمره إلى الأب والجد ، فإن
لم يكن فسائر العصبات ؛ لأنهم أشفق " .
انتهى من " مغني المحتاج " ( 2 / 222 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" الولاية تكون لأولى الناس به ، ولو كانت الأم إذا كانت رشيدة ؛ لأن المقصود حماية
هذا الطفل الصغير أو حماية المجنون أو السفيه ، فإذا وجد من يقوم بهذه الحماية من
أقاربه فهو أولى من غيره " انتهى من " الشرح الممتع " ( 9 / 306 ) ـ
وإذا وقع بين الأولاد خلاف ، فليذهبوا إلى مجلس الإفتاء ، أو ما شابهه في مدينتكم ، ليرشدهم إلى ما عليهم فعله .
وإذا تمَ تعيين ولي على
مالها سواء كان ابنها الذي هو زوجك ، أو غيره من أبنائها ، فالواجب عليه أن يسعى في
حفظ مالها ، ولا يصرفه إلا في مصالحها ، كعلاج ونفقة تحتاجها ، ونحو ذلك ؛ ومن جملة
هذه النفقة : أجر الخادمة ، بالمعروف ، إذا احتاجت إليها ، ولم يكن لها من يخدمها .
جاء في " الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الأمام مالك " ( 3 / 393 – 394 )
:
" ( ويتصرف الولي ) على المحجور وجوبا ( بالمصلحة ) العائدة على محجوره ، حالا أو
مآلا " انتهى.
وفي كتاب " منار السبيل في شرح الدليل " في الفقه الحنبلي ( 1 / 388 ) :
" ويحرم على ولي الصغير والمجنون والسفيه أن يتصرف فى مالهم إلا بما فيه حظ ومصلحة
لقوله تعالى : ( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
) والسفيه والمجنون في معناه " انتهى .
وينظر الفتوى رقم : ( 59866 ) .
مع التنبيه على أن ولي المحجور عليه أن يخرج من ماله الزكاة الواجبة فيه إذا كان يبلغ النصاب .
وينظر جواب السؤال رقم : ( 75307 ) .
والله أعلم .