عنوان الفتوى : معنى السياق والقرائن
ما معنى السياق والقرائن عندما نتحدث عن آية أو حديث؟ وهل القرائن يجب أن تؤخذ فقط من الآية التي نريد أن نحكم عليها؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيُقصد بتفسير القرآن أو الحديث من خلال السياق بيانُ معنى الكلمة من خلال الكلام السابق واللاحق، بحيث يحصل انسجام في التعبير عن معنى تلك الكلمة بملاحظة سِباقها ولِحاقها! وتُعتبر دلالة السياق من أهم دلالات فهم النص القرآني، وهي نوعٌ من تفسير القرآن بالقرآن، ولذلك فقد اعتنى بها المفسرون لكتاب الله تعالى عناية بالغة، فكم كانت سببًا في تقدير محذوف، أو ترجيح قولٍ أو رَدِّه! وكم عَلَّلوا بها من آراء واستنبطوا بها من أحكام! وكتب التفسير مشحونة بقول مؤلِّفيها: هذا ما يؤيده السياق أو يَرُدُّه، أو يساعده أو لا يساعده، أو يَدُلُّ عليه أو لا يدل عليه، أو يَعْضِدُهُ أو لا يعضده، ونحو ذلك من التعابير.
وأما القرائن: فهي الأمارات التي تقارِنُ الخطابَ لتبيِّنه وتصحَبُ الكلمةَ فتدل على معناها، وهي مفيدة جدًا في تعيين المعنى المراد من اللفظِ إذا كان اللفظُ من قبيل المشترك مثلاً، أو تقوِّي القول بالمجاز أو تنفي احتماله مثلاً، وغير ذلك من العوارض التي تعرِض للألفاظ. والقرائن إما أن تكون صارفةً إذا صرفت اللفظ عن ظاهره المتبادر، أو مُؤكِّدة إذا أيَّدَتْه وثبَّتته، وإذا كانت القرينة لفظية فإنها تؤخذ من الآية محل البحث، ولكن قد تكون القرائن غير لفظية بحسب السياق.
قال الإمام ابن القيم في مختصر الصواعق المرسلة: اللَّفْظَ لَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ، وَالْقَرَائِنُ ضَرْبَانِ: لَفْظِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ، وَاللَّفْظِيَّةُ نَوْعَانِ: مُتَّصِلَةٌ وَمُنْفَصِلَةٌ، وَالْمُتَّصِلَةٌ ضَرْبَانِ: مُسْتَقِلَّةٌ وَغَيْرُ مُسْتَقِلَّةٍ، وَالْمَعْنَوِيَّةُ إِمَّا عَقْلِيَّةُ وَإِمَّا عُرْفِيَّةُ، وَالْعُرْفِيَّةُ إِمَّا عَامَّةٌ وَإِمَّا خَاصَّةٌ، وَتَارَةً يَكُونُ عُرْفَ الْمُتَكَلِّمِ وَعَادَتَهُ، وَتَارَةً عُرْفَ الْمُخَاطَبِ وَعَادَتَهُ. اهـ.
وفي أهمية اعتبار دلالة السياق والقرائن في فهم معاني نصوص القرآن والسنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ... بل يُنْظَرُ فِي كُلِّ آيَةٍ وَحَدِيثٍ بِخُصُوصِهِ وَسِيَاقِهِ وَمَا يُبَيِّنُ مَعْنَاهُ مِنْ الْقُرائنِ وَالدَّلَالَاتِ، فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ مُهِمٌّ نَافِعٌ فِي بَابِ فَهْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهِمَا مُطْلَقًا وَنَافِعٌ فِي مَعْرِفَةِ الِاسْتِدْلَالِ وَالِاعْتِرَاضِ وَالْجَوَابِ وَطَرْدِ الدَّلِيلِ وَنَقْضِهِ. اهـ.
وقال الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات:... فَلَا مَحِيصَ لِلْمُتَفَهِّمِ عَنْ رَدِّ آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى أَوَّلِهِ، وَأَوَّلِهِ عَلَى آخِرِهِ، وَإِذْ ذَاكَ يَحْصُلُ مَقْصُودُ الشَّارِعِ فِي فَهْمِ الْمُكَلَّفِ، فَإِنْ فَرَّقَ النَّظَرَ فِي أَجْزَائِهِ فَلَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى مُرَادِهِ، فَلَا يَصِحُّ الاقْتِصَارُ فِي النَّظَرِ عَلَى بَعْضِ أَجْزَاءِ الْكَلَامِ دُونَ بَعْضٍ. اهـ.
والله أعلم.