عنوان الفتوى : الترهيب من طلب الشهرة
في داخل كل إنسان حلم يريد أن يحققه, وأنا أحلم أن أصبح مشهورًا, فما حكم من يبحث عن الشهرة؟ ولنقل شهرة في أمر غير مشبوه - كأن أكون عالمًا, أو داعيًا, أو ناصحًا, أو إعلاميًا - حتى لو فعلت هذا لوجه الله فلا شك أنني في داخلي أعلم أني مشهور, فكيف أفصل بين هذا وبين الرياء؟ وهل البحث عن الشهرة أمر فيه محظور؟أفيدونا - جزاكم الله خيرًا -.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التماس الشهرة والحرص عليها من أعظم أسباب فساد القلب، قال صلى الله عليه وسلم: ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه. أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأول من تضرم به النار يوم القيامة مبتغي الشهرة بالعمل الصالح، جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم، وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم، وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار. أخرجه مسلم.
ومن التمس ثناء الناس بعمل الطاعة فإنه يعاقب بنقيض قصده، بأن يفضحه الله, ويطلق ألسنة الخلق بذمه وشينه، قال صلى الله عليه وسلم: من سمع سمع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به. قال الخطابي: من عمل عملًا على غير إخلاص, وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه, ويظهر ما كان يبطنه. أهـ.
وقال ابن حجر: وقيل معنى سمع الله به: شهره, أو ملأ أسماع الناس بسوء الثناء عليه في الدنيا أو في القيامة بما ينطوي عليه من خبث السريرة. اهـ.
لكن طلب الشهرة بالأمور الدنيوية كالتجارة أو الصناعة أو غيرها ليس محرمًا بإطلاق, كطلب الشهرة بعمل الآخرة، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 125089.
والأحاديث والآثار في ذم الشهرة كثيرة جدًّا، وقد ذكرنا طرفا منها في الفتاوى: 25568.
وفي علاج حب الشهرة راجع الفتوى رقم: 52210، والفتوى رقم: 10396.
ويحسن بك لمزيد فائدة الرجوع إلى كتاب: شرح حديث ما ذئبان جائعان لابن رجب، وكتاب: ذم الجاه والرياء من إحياء علوم الدين للغزالي.
والله أعلم.