عنوان الفتوى : وعيد يزيد لملك الروم إن نبشوا قبر أبي أيوي الأنصاري
سؤالي عن صحة هذا القصّة: قصة يزيد بن معاوية مع ملك الروم, وهذا النص نحيله لأهل العلم لبيان جواب أسئلتي، لأن من نشر القصّة قال عن أسئلتي إنها تخطر ببال الجهلة، فأرجو منكم أن تتسع صدوركم لأسئلتي فأنا إن كنت جاهلة أنتظر منكم أن تنوّروني بنور العلم والإيمان، وهل يجوز نشر هذا القصّة: أرسل الملك الأموي يزيد بن معاوية جيشا قويا لمحاربة الروم وتحرير القسطنطينية وكان أحد جنود هذا الجيش العظيم الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري ولما اقترب الجيش من أبواب القسطنطينية شعر الصحابي أبو أيوب باقتراب أجله فأوصى من معه بأن يدفنوه في المكان الذي يموت فيه, ولم يلبث صاحب رسول الله إلا قليلا ومات، فقام أصحابه بدفنه قريبا من مداخل القسطنطينية, فلما علم ملك الروم بهذا الخبر أرسل كتاباً إلى معاوية قال فيه: ويقولون إنك ابن معاوية داهية العرب؟ تدفنون صاحب رسولكم على أرضنا, وما إن تذهبوا حتى نحفر قبره ونحرق جسده ونجعله رمادا، فلما قرأ يزيد هذا أرسل إلى ملك الروم وقال: والله إن مسستم ذرة من تراب قبره لا أدعن نصرانيا واحدا في جزيرة العرب إلا قتلته، فرد عليه ملك الروم: إذا سأكون أول من يحرس تراب قبره، أرجو منكم أن يتسع صدركم لأسئلتي، فهل القصّة صحيحة؟ وإن صحت كما رويت على لسان بعض العلماء، فهل يجوز أن يحلف يزيد بن معاوية بقتل النصارى إن صدق ملك الروم بحفر قبر الصحابي أبي أيوب الأنصاري ويستبيح دما حرّمه رسول الله لأهل الذمة والعهد تحت حكم الإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الصحيح: من قتل نفسًا معاهدًا لم يَرَحْ رائحةَ الجنَّةِ ـ وإن كان حلفه من باب العزّة والعظمة للمسلمين والتخويف لملك الروم ألا يُعد هذا كذبا؟ وهل يجوز أن نحلف كذباً من باب التهديد والتخويف لإبراز القوّة والمنعة؟ وجزيتم خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القصة ذكرها ابن عبد ربه في العقد الفريد وذكرها علي محمد محمد الصلابي في كتابيه: الدولة الأموية وعوامل الازدهار، عمر بن عبد العزيز معالم التجديد... ولم نر من تعرض لتصحيحها أو تضعيفها.
والظاهر أن قصد يزيد بتوعد النصارى بأرض العرب منع ملك الروم من الاعتداء على قبر الصحابي الجليل وهو ما تم بالفعل، وليس هذا من باب الكذب، بل من باب التخويف والتحذير، ويؤيد هذا أنه لم يكن هو الخليفة يومئذ، بل الخليفة معاوية ـ رضي الله عنه ـ ولا يستطيع يزيد أن يفعل مثل هذا دون إذن معاوية ـ رضي الله عنه ـ فذلك أمرمستبعد جدا، ولو افترضنا أن يزيد كان جادا فيما توعد به وقدر له تنفيذه فليس عمله ذلك مرضيا عند المسلمين ولا يمثلهم فيه مثل سائر الأعمال التي قام بها بعد توليه الخلافة وهي غير مرضية.
ونص القصة كما في المصدر السابق قال: فلما مات ـ يعني أبا أيوب ـ أمر يزيد بتكفينه، وحمل على سريره، ثم أخرج الكتائب، فجعل قيصر يرى سريرا يحمل والناس يقتتلون فأرسل إلى يزيد: ما هذا الذي أرى؟ قال: صاحب نبينا، وقد سألنا أن نقدمه في بلادك، ونحن منفذون وصيته أو تلحق أرواحنا بالله، فأرسل إليه: العجب كل العجب! كيف يدهّي الناس أباك وهو يرسلك فتعمد إلى صاحب نبيك فتدفنه في بلادنا، فإذا ولّيت أخرجناه إلى الكلاب؟ فقال يزيد: إني والله ما أردت أن أودعه بلادكم حتى أودع كلامي آذانكم، فإنك كافر بالذي أكرمت هذا له، ولئن بلغني أنه نبش من قبره أو مثّل به لا تركت بأرض العرب نصرانيا إلا قتلته، ولا كنيسة إلا هدمتها! فبعث إليه قيصر: أبوك كان أعلم بك، فوحقّ المسيح لأحفظنّه بيدي سنة فلقد بلغني أنه بنى على قبره قبّة يسرج فيها إلى اليوم. انتهى.
أما عن حكم نشر القصة فلا بأس به، وعن حكم الكذب لإثبات القوة والمنعة.. فالأصل أن الكذب محرم في كل الأحوال، ورخص بعض العلماء في الكذب إذا كان يراد منه غرض محمود لا يتوصل إليه إلا به، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 139250.
وراجع في الحلف على الكذب الفتوى رقم: 110634.
والله أعلم.