عنوان الفتوى : قامت بتوليد جارتها ثم توفي الطفل ولا تدري هل السبب سحبه من رأسه أو عسر الولادة ، فماذا يلزمها؟
أرجو منكم المساعدة ، حيث إن جدتي البالغة من العمر 84 سنة دائمة السؤال عن هذه الفتوى منذ أكثر من أربعين سنة ، لشعورها الدائم بتأنيب الضمير ، وشعورها بالذنب ، ورغبتها في أن تكفر عنه إذا ما كان عليها ذنب ، القصة بدأت حيث إن جدتي قامت بمساعدة جارتها في عملية الولادة حيث كان في ذلك الوقت لا وجود للمراكز الصحية ولا المستشفيات ، وأثناء الولادة قامت جدتي بسحب الجنين مع تعسر الولادة من رأسه ؛ لأن الجنين كان عالقا في الرحم ، فأخرجت جدتي الجنين ووجدته قد فارق الحياة ووجهه أزرق ، وهي لا تعلم إذا كان الجنين قد مات بسبب سحبها لرأسه أو أنه اختنق عندما كان عالقا في الرحم ، أرجو منكم بيان ما إذا كان عليها ذنب ، وما يتوجب عليها فعله كي تريح ضميرها الذي دائما ما يؤنبها ، وهي حاجة كبيرة ومتدينة ومقدمة على أعمال الخير دائما ، وربما في الماضي كانت تجهل ما يمكن أن تقوم به أثناء عسر الولادة ، ولكن رغبتها في فعل الخير دفعها إلى مساعدة جارتها ؟
الحمد لله.
لا يخلو تفصيل الحكم الشرعي في سؤالكم من أحوال ثلاثة :
أولا :
إما أن يقول الأطباء والمختصون في عمليات الولادة إن الغالب أن لا شأن لجدتك بوفاة الطفل أثناء الولادة ، وأن ما تحكيه من تفاصيل تتذكرها من العملية تدل على أن الوفاة قد وقعت بشكل طبيعي نتيجة عسر الولادة ، ففي هذه الحالة لا يجب على جدتك ضمان ولا يترتب عليها إثم ، وليس عليها دية ولا كفارة لعدم مسؤوليتها وبُعد تأثيرها في الوفاة .
ثانيا :
وإذا شك الأطباء المستشارون ، ولم تسعفهم التفاصيل التي تحكيها السائلة في تحديد سبب الوفاة ، فلا يجب على جدتك شيء أيضا ؛ إذ الأصل براءة الذمة ، ولا ينتقل عن هذا الأصل إلى ببرهان ودليل .
ثالثا :
أما إذا غلب على ظن الأطباء أن سبب وفاة الطفل هو خطأ أثناء عملية التوليد ، وأن سحب الرأس بهذه الطريقة يؤدي إلى الاختناق ، فهذا قتل خطأ ، يجب على من وقعت فيه التوبة النصوح ، وصيام كفارة قتل الخطأ شهرين متتابعين ، وأيضا يجب عليها دفع الدية إلى ورثة الجنين إلا أن يعفوا عن ذلك ؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَطَبَّبَ وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ ) رواه أبوداود وحسنه الألباني " صحيح الجامع " (6153) .
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه :
" إذا أمر الرجل أن يحجمه ، أو يختن غلامه ، أو يبيطر دابته ، فتلفوا من فعله ، فإن كان فَعَل ما يُفعَل مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصناعة فلا ضمان عليه ، وإن كان فعل ما لا يَفعَل مثله مَن أراد الصلاح وكان عالما به فهو ضامن " انتهى من " الأم " (6/185) .
وقال الإمام الخطابي رحمه الله :
" لا أعلم خلافاً في المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامناً ، والمتعاطي علماً أو عملاً لا يعرفه متعدٍّ ، فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية ، وسقط عنه القَوَد ؛ لأنه لا يستبد بذلك دون إذن المريض ، وجناية الطبيب في قول عامة الفقهاء على عاقلته " انتهى من " معالم السنن " (4/39) .
وللتوسع ينظر " الموسوعة الفقهية الكويتية " (12/ 138)، " أحكام الجراحة الطبية " للشنقيطي (ص/519-534)
والخلاصة أنه لا بد أن تقوموا باستشارة الأطباء المختصين ، فإن غلبوا جانب وقوع الخطأ من جدتك فلا بد من الضمان بأداء الدية وصيام الكفارة ، وإلا فلا شيء عليها ، والله عز وجل يعفو عنا وعنها.
ولمزيد من التوسع يمكن مراجعة الفتوى رقم : (114047) .
والله أعلم .