عنوان الفتوى : رفض زوجها الطلاق أو الخلع فهل تكون ناشزا إذا بقيت معه ولم تعطه حقه ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أرجو إفادتي حول وضعي ، حيث إنني على خلاف مع زوجي ، بعد زواج استمر سنتين ، لم تدم أوقات السكن والراحة الزوجية سوى أشهر قلائل ، تبعها الكثير من الخلافات التي جعلت الاستمرار في الزواج مستحيلا ، على الأقل من جانبي . طلبت الطلاق ورفض زوجي ، عرضت عليه الخلع مقابل ما يطلب ، وبالغت في العرض حتى عرضت عليه مبلغ مليون ريال ، علما أن مهري مائة ألف ، وجميع ما أنفقه من أعباء مالية لم يتجاوز المائتي ألف ريال ، ولكنه رفض ويصر على استمراره . العيش معه مستحيل لأسباب كثيرة ، أهمها الشك والغيرة ، ومنعي من زيارة أهلي وأقاربي ، وأمور أخرى قد ترونها هينة ولكنها أحالت حياتنا إلى مأساة ؛ فأنا لا أتخيل أبدا أن يكون ذلك الرجل أبا لأولادي ، وما ذنبهم أن أستمر في زواج كهذا ؟ السؤال : أنا استسلمت لرغبة زوجي في عدم الطلاق ، وحياء أهلي من اللجوء إلى القضاء ، لمكانة أسرته ، ورضيت أن أبقى هكذا معلقة ، لكن هل يلحقني ذنب ؟ وهل أعتبر ناشزا ؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق


الحمد لله
أولا :
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها من غير سبب ، فإن وجد سبب كتقصيره في حقها ، أو ظلمه لها ، فلا حرج عيها في طلب الطلاق .
روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود – الأم " (1928) .

وإذا كان الرجل غير مقصر في حق زوجته ولا ظالم لها ، غير أنها تكرهه كرهاً شديداً ، بحيث لا تستطيع الحياة معه ، ولا تؤدي إليه حقوقه ، فعليهما معاً محاولة الإصلاح ، فإن لم تثمر تلك المحاولات ووصلت الحياة بينهما إلى طريق مسدود ، فقد جعل الله لها مخرجا ، وهو الخلع ، فترد إليه جميع المهر الذي أعطاها ، ويؤمر الرجل حينئذ بقبوله ومفارقتها .
روى البخاري (5273) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : " أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ) ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً ).
وعند ابن ماجه (2056) (لا أطيقه بغضاً) صححه الألباني في " مشكاة المصابيح " (3274) .

فالذي حملها على طلب الفراق ، هو بغضها له .
وقولها : ( أكره الكفر في الإسلام ) تعني : كفر العشير ، بمعنى أنها تقصر في حقه ، ولا تقوم بما أوجب الله عليها من طاعة زوجها وحسن عشرته .
ثانيا :
إذا أبى الزوج أن يطلِّق أو يخالع ، فالذي يفصل في الأمر هو القاضي الشرعي ، فإذا رأى أن المصلحة تكون في التفريق بينهما ، أجبر الزوج على الخلع ، وينظر جواب السؤال رقم : ( 152402 ) .

لكننا - قبل هذا وذاك - نشير عليكِ أن تختاري من أهل الصلاح ورجاحة العقل من أهلك أو أهله ، من يصلح بينك وبين زوجك ، ويزيل أسباب الخلاف والنفرة بينكما ، فإن لم ينفع ذلك ، نصح زوجك ودعاه لمفارقتك بالمعروف ، فإن طلّق أو خالع فذاك ما أردتيه ، وإن أبى ، ولم تلجئي للمحكمة ، فأنت زوجة ، ويجب عليك ما يجب على الزوجات ، فإن طلبك للفراش وامتنعت ، لحقك الاثم ، وكنت بذلك ناشزا ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح ) . رواه البخاري ( 3065 ) ومسلم ( 1436 ) .
قال شيخ الإسلام : يجب عليها أن تطيعه إذا طلبها إلى الفراش وذلك فرض واجب عليها .. .. فمتى امتنعت عن إجابته إلى الفراش كانت عاصية ناشزة ... ، " الفتاوى الكبرى " ( 3 / 145).
وكذا لو دعاك إلى الرجوع إلى البيت - وكنت مصرة على البقاء عند أهلك - لزمك إجابة طلبه ، وإلا كنت ناشزا .
فأنت بين أمرين : أن تتركي فكرة الطلاق ، وتعودي إلى زوجك ، وتؤدي إليه حقه ، وتصبري وتحتسبي ، ولعل الله أن يهديه ويصلح حاله .
وبين أن تسعي إلى الانفصال عنه ، بالطلاق أو الخلع ، ولو عن طريق المحكمة .
وأما أن تبقي زوجة ، وتمنتعي عن إعطاء الزوج حقه إذا طلبه ، فهذا محرم .
فإن كان الزوج لا يبالي بحقه ولا يطلبه ، فلا إثم عليك ، لكن لا خير في بقائك معلقة ، لا سيما وأنت في سن صغيرة ، ولم تنشغلي بولد لك بعد ؛ فاللجوء للمحكمة أقل شرا وضررا من هذا التعليق .
ثالثا :
يحرم على الزوج أن يمسك الزوجة للإضرار بها ، وتركها معلقة ، لا هي زوجة ، ولا هي مطلقة ؛ لقوله تعالى : ( وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) البقرة/231، وقوله : ( فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) النساء/129 ، وقوله : ( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة/229 .
فعلى الزوج أن يتقي الله تعالى ، فإن كان راغبا فيها وفي بقائها ، ويرفض طلاقها ، فعليه أن يحسن عشرتها ، وأن يزيل الأسباب التي تدعو الزوجة للنفرة منه ، فإن لم يفعل ذلك ، أو رأى أن الزوجة لا تطيق البقاء معه ، فعليه أن يطلق أو يخالع ، ولا يذرها كالمعلقة ، أو يلجئها لاقتراف الإثم بنشوزها وعصيانها .
وعلى الزوجة أن تتريث قبل طلب الطلاق أو الخلع ، وأن تنظر فيما لزوجها من حسنات وإيجابيات ، وأن تتحلى بالصبر قدر الإمكان ، فإن عاقبة الصبر النصر والظفر ، وكم من زوجة صبرت على زوجها ، فأحسن الله حاله وحالها .
لكن إذا استحكم الخلاف ، ولم تنفع وسائل العلاج ، فقد جعل الله للزوجين مخرجا في الطلاق أو الخلع ، كما قال : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ) النساء/130 ، ولا ينبغي للمرأة أن توقع نفسها في إثم النشوز ، أو تتحمل ضرر بقائها معلقة ، حياء من أهلها ، أو مراعاة لأهل الزوج ، فإن هذا لا خير فيه للزوجين .

والله أعلم .