عنوان الفتوى : وجوب إعلام صاحب الحق لتخليص حقه ممن اعتدى عليه
أنا موظف في شركة مقاولات بمهنة محاسب ومن وجباتي إدخال وتدقيق الفواتير وإصدار الاعتمادات وغيرها من الأمور المالية ولست صاحب قرار، قامت شركتي بأخذ مشروع إنشاء مستشفى ائتلاف مع شركة ثانية بنسبة 50 % لكل منهما، وبناء على طلب الإدارة مني باستلام وظيفة المحاسب بالمشروع الجديد ـ الائتلاف ـ إضافة إلى عملي في الشركة ـ يعني أعمل في الشركتين لكون الائتلاف شركة مستقلة بحد ذاتها ـ وتم تعين المديرين الماليين لكل من الشركتين مدراء ماليين للائتلاف أي أنهم المسؤولون عن الإدارة المالية للمشروع، والمعني بالإضافة إلى المحاسب خاص للمشروع هم أصاحب القرار في الأمور المالية ويوجد محاسب خاص للرواتب والأجور وليست لي علاقة بالرواتب والأجور، أنا فقط أتعامل مع الكشف المرسل للرواتب والأجور حتى أثبته كمصروف حتى أضبط الحسابات وأخرج ميزانية عند عمل الرواتب والأجور ويقوم المحاسب بخصم مبلغ على الموظفين لتقديمه للضريبة يسمى بالمحاسبة أمانات ضريبة دخل الموظفين يتم اقتطاعه بناء على الراتب أي من كان راتبه 1000 يخصم عليه 7% تقريبا، ويقوم المحاسب في نهاية كل سنة بتقديم كشوفات الرواتب للضريبة وتوريد المبلغ المقتطع للضريبة والذي ليس من اختصاصي إنما اختصاص المحاسب الآخر والمدير المالي وفي يوم جاء الموعد لتقديم الكشوفات فأحسست أن المدير المالي والمدير العام متفقان على عدم توريد المبلغ المقتطع للضريبة بصورته الحقيقية، فقلت هذا حرام وسوف أحاول أن أقدمها كما هي وأبلغت المدير المالي أنه ليس من اختصاصي وسوف أقوم بإعداد الكشوفات الخاصة للضريبة وطلبت من المدير المالي وقلت له أرجوك لا تدعنا نأكل حراما فهذه أمانات يجب أن نرسلها للضريبة أو نعيدها للموظفين فلم يجبني وبدأت أعد الكشوفات حتى أعيد الحقوق لأصحابها وتفاجأت بمدير الشركة يدخل علي ويقول لي لا تتدخل في الضريبة ودعها للمدير المالي والمحاسب، فقلت له هذه أمانة وأعلم أنهم لن يقوموا فيها بالوجه الصحيح، فقال لي أنت تريد أن تدفعني مبلغا، فلماذا لا توفر علي فقلت كيف؟ إنها أمانة أرجوك، فقال لي لا تتدخل فيها ودعها للمدير المالي، وبعد أن حاولت أن أذكره بالله والخوف من عاقبة الذي سوف يتم، لكن لاحياة لمن تنادي، علما أنه لولا وجود هذا المدير المالي لمشت الأمور بشكلها الصحيح لكن هذا الشخص دائما ما يزين الباطل للمدراء، ومن غضبي الشديد على هذا الشخص ذهبت إليه وقلت له مبروك عليك الحرام ولم أحدثه أبدا وزادات من يومها المشاكل بيني وبين المدير المالي الذي هو أصلا مديري المالي قبل الائتلاف وعلى إثرها قدمت استقالتي من الشركة التي كنت أعمل بها قبل الائتلاف لكوني لا أستطيع أن أرى هذا الشخص أمامي مرة أخرى وطلبت من مدير الشركة أن يبقى عملي في الائتلاف فقط وقلت له لن أتدخل في أمور الضريبة أبدا ولأنه يعرف أمانتي وصدقي في العمل قال لي موافق اذهب إلى الائتلاف ولا تداوم عند ذلك الشخص، فقلت سوف أحاول مرة أخرى مع المدير المالي للشركة الثانية لعلي أستطيع أن أرجع الحقوق إلى أهلها وفتحت معه الموضوع فقال لي الخطيئة في رقبة ذلك الرجل والمدراء موافقون فدخلت في هم وحزن وتعب وكل يوم أشتري الجريدة وأحاول أن أجد عملا ولا أحد يرد علي وفي كل سنة أقوم بإعداد الميزانية الخاصة للضريبة وأظهر فيه الرقم بشكله الصحيح وأقول قد تنجح وأعيد الحق إلى أصحابه، لكنهم يقومون بعمل اجتماع بينهم ويقولون لي خفض هذا الرقم، وبما أنني حاولت وحاولت وحاولت إلى أن أجبرت على تخفيضه في الميزانية وأقول لهم الخطيئة في رقبتكم والله يا شيخ لا أريد أن أزيح الذنب عني ولكني أخاف الله وأصبحت أحس أن راتبي حرام، لكنني أقول في نفسي والله دخلت في حرب من أجل الموضوع وأذهب إلى بيتي وكلي غم وهم لا أعرف أن أترك عملي أبقى في عملي والله لا أدري حتى إنني أستيقظ وأنا لا أريد أن آتي إلى العمل ورغم محاولتي العديدة في إيجاد عمل إلا أنني أبعث السيرة الذاتية ولا يتم الاتصال للمقابله والله المستعان أفيدوني أفادكم الله وآسف على الإطالة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت صنعا وبينت الحق وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {المائدة:105}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضُلاّل. انتهى.
لكن لو غلب على ظنك بسبب تحايل المسؤولين ضياع حقوق الموظفين فيما يقتطع من رواتبهم فعليك إعلامهم بذلك؛ لما ذكره بعض الفقهاء من وجوب إعلام صاحب الحق إن تعين إعلامه لتخليص حقه ممن اعتدى عليه.
وأما عملك في الشركة إن كان فيما هو مباح فلا حرج عليك في البقاء فيه، وراتبك الذي تتقاضاه مقابل عملك الحلال حلال لا حرج عليك في الانتفاع به، ولعل بقاءك في ذلك العمل مع نصيحة المسؤولين بتقوى الله واجتناب أكل الحرام خير من تركك له إن لم يترتب على بقائك فيه مباشرة للحرام أو إعانة عليه، لأن الجو إذا خلا لهم من ناصح ومراقب أمين قد يفعلون ما هو أسوأ فاستحضر في نيتك ذلك وأنك تريد من البقاء في عملك كشف المظالم ونصح المسؤولين ودعوتهم إلى الحق وإلى ترك الظلم، لكن ينبغي أن تسلك في ذلك السبل المؤثرة، من الدعوة بحكمة وموعظة حسنة، والصبر وعدم القنوط واليأس، واختيار الأوقات المناسبة للنصيحة، كما يمكن الاستعانة بالوسائل الدعوية كالشريط المرئي والمسموع، والكتيبات المختصرة المفيدة، مع التوجه إلى الله تعالى بالتضرع والدعاء، ليكون العمل خالصا لوجهه لا رياء فيه ولا سمعة والدعاء لأولئك المسؤولين بالهداية والتوفيق.
والله أعلم.