عنوان الفتوى : الحق لا يعرف بالرجال
هل النسفي, والسيوطي, والغزالي, وابن الحاج مبتدعة؟ وَالْإِنْصَافُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ حِينَ سُئِلَ عَمَّا يُحْكَى أَنَّ الْكَعْبَةَ كَانَتْ تَزُورُ أَحَدًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ هَلْ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ فَقَالَ نَقْضُ الْعَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَامَةِ لِأَهْلِ الْوِلَايَةِ جَائِزٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ ـ رد المحتار على الدر المختار باب العدة فصل في ثبوت النسب ـ قَالَ حجة الإسلام أبو حامد الغزالي: واحضر في قلبك النبي عليه السلام وشخصه الكريم وقل السلام عليك أيها النبي ورحمته الله وبركاته ـ إحياء علوم الدين ـ وقد قال ابن الحاج في المدخل: بيان آداب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وشد الرحال إليه للاستغاثة به، وقد قال علماؤنا رحمة الله عليهم: إن الزائر يشعر نفسه بأنه واقف بين يديه عليه الصلاة والسلام كما هو في حياته، إذ لا فرق بين موته وحياته ـ أعني في مشاهدته لأمته ومعرفته بأحوالهم ونياتهم وعزائمهم وخواطرهم، ذلك عنده جلي لا خفاء فيه ـ وقد تبعه في هذه الخرافات جمع من القبورية، فنقلوا كلامه هذا بنصه وفصه، واستدلوا به وعدوه رطبا جنيّا، ونعمة غير مرتقبة وغنيمة باردة ولحما طريّا، منهم القسطلاني، قال السيوطي: إن اعتقد الناس أن روحه ومثاله في وقت قراءة المولد وختم رمضان وقراء القصائد يحضر جاز ـ شرح الصدور.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية نقرر أن الحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق، ومن جاء بالحق قُبل منه، صغيرا كان أو كبيرا، والحق هو ما جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا اختلف الناس في الفهم، فالحق هو ما وافق فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان في القرون الأولى المفضلة، كالأئمة الأربعة وابن المبارك والسفيانين وأمثالهم، وليس أحد ممن ذكرهم السائل من هذه الطبقات المفضلة، فأقدمهم موتا توفي في القرن السادس! وعلى أية حال فبالنسبة لما نقله ابن عابدين عن النسفي، فقد سبق لنا بيان أن النسفي وكتابه العقائد النسفية وشرحه للتفتازاني : فيه أوهام وأخطاء كثيرة في المتن والشرح كليهما، ومن أمثلة ذلك ما نقله السائل، ففيه إثبات إمكان تنقل الكعبة لزيارة أحد الأولياء وهي عبارة تغني حكايتها عن الرد عليها لوضوح بطلانها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 70719.
وأما كلام ابن الحاج فهو مجانب للصواب جملة وتفصيلا، ويتضح هذا ببقية كلامه، حيث قال في حق النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخيب من قصده، ولا من نزل بساحته، ولا من استعان أو استغاث به، إذ أنه عليه الصلاة والسلام قطب دائرة الكمال وعروس المملكة، قال الله تعالى في كتابه العزيز: لقد رأى من آيات ربه الكبرى { النجم: 18} قال علماؤنا رحمة الله تعالى عليهم: رأى صورته عليه الصلاة والسلام، فإذا هو عروس المملكة، فمن توسل به، أو استغاث به، أو طلب حوائجه منه، فلا يرد ولا يخيب لما شهدت به المعاينة والآثار. اهـ.
ثم ذكر ما نقله السائل، من معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بالأحوال والنيات والعزائم والخواطر، وأن ذلك عنده جلي لا خفاء فيه!! وهذا وما سبقه: لا يصح، لا عقلا ولا نقلا، وهو من وسائل الشرك ـ والعياذ بالله ـ وراجع تفصيل ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 3779
وراجع في حقيقة حياة النبي عليه الصلاة والسلام في قبره الفتوى رقم: 27347.
وأما كلام الغزالي: فصواب لا حرج فيه، وسياقه يبين معناه، حيث قال في بيان ما ينبغي أن يحضر في القلب عند كل ركن وشرط من أعمال الصلاة: أما التشهد فإذا جلست له فاجلس متأدبا وصرح بأن جميع ما تدلي به من الصلوات والطيبات أي من الأخلاق الطاهرة لله، وكذلك الملك لله، وهو معنى التحيات، وأحضر في قلبك النبي صلى الله عليه وسلم وشخصه الكريم وقل: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وليصدق أملك في أنه يبلغه ويرد عليك ما هو أوفى منه. اهـ.
وراجع لمزيد البيان الفتوى رقم: 23341.
وأما ما نسبه السائل للسيوطي في شرح الصدور فلم نجده فيه، ولا في الحاوي للفتاوي وهو كلام باطل على أية حال، فإن هذه الأمور الغيبية لا يصح الحكم فيها إلا بنص من الوحي المعصوم، وليس هناك من نصوص الشرع ما يدل على ذلك، مع دلالة العقل على بطلانه!! بالإضافة إلى ما فيه من ذرائع الشرك ووسائله.
والله أعلم.