عنوان الفتوى : إتيان العرافين والكهنة بين الكفر وعدمه
فقدنا بعض الأشياء في منزلنا غير المسكون في القرية، وسافرت للقرية لأول مرة كانت معي والدتي ولم أكن أعرف أقاربي، وعرفتني عليهم من ضمنهم قريب لنا من أرحامنا وهو إمام مسجد القرية . وفي رحلة البحث أحضر لي ذلك الإمام رجلا يعيننا على معرفة مكان المفقودات، وكنت أعرف أن ذلك الرجل يتعامل مع الجن فرضيت ثقة في ذلك الإمام فقط لأنه إمام وأنا لا أعرف دينه ولا أخلاقه، وأول مرة أراه في حياتي، وأمرني الرجل (الربالي كما يسمبه أهل القرية ) أن أضع يدي على الرمل عدة مرات . سمعت قبل جمعتين من أحد أئمة المساجد عبر قناة فضائية أن التعامل مع الرمالي والكاهن وتصديقهما يخرج عن الملة وأن ذلك يبيح الدم والمال . فقمت واغتسلت ورددت الشهادتين بصوت مرتفع ولكني كنت وحدي ولم أخبر أحدا بذلك ؟ فهل حقاً خرجت من الملة؟ وهل عدت بهذه الطريقة أم علي الإشهار ؟ وما حكم العبادات الصلوات والصيام وغيرها في تلك الفترة -أكثر من عام - هل أعيدها ؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن إتيان العرافين والكهنة منهي عنه أشد النهي ، ففي مستدرك الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فِيمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لكن إتيانهم إنما يكون كفرا مخرجا من الملة عند تصديقهم واعتقاد أنهم يعلمون الغيب، أما إتيانهم مع عدم تصديقهم أو مع اعتقاد أنهم يعلمون هذه الأمور بسبب من الأسباب كإخبار الجن لهم ونحو ذلك، فلا يكون كفرا مخرجا من الملة حينئذ.
قال المناوي (رحمه الله) : ثم إنه لا تعارض بين ذا الخبر وما قبله، لأن المراد أن مصدق الكاهن إن اعتقد أنه يعلم الغيب كفر، وإن اعتقد أن الجن تلقي إليه ما سمعته من الملائكة وأنه بإلهام فصدقه من هذه الجهة لا يكفر. فيض القدير.
وقد ورد وعيد لمن أتى العرافين وصدقهم بأن صلاته لا تقبل منه أربعين يوما ، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل منه صلاة أربعين يوماً.
لكن المراد بذلك –والله أعلم- ضياع الثواب مع صحة الصلاة فلا يطالب بإعادتها.
قال النووي (رحمه الله) : قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: الْعَرَّافُ هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ مَكَانِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانَ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا، وَأَمَّا عَدَمُ قَبُولِ صلاته فمعناه أنه لاثواب لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَةً فِي سُقُوطِ الفرض عنه ولايحتاج مَعَهَا إِلَى إِعَادَةٍ. شرح النووي على مسلم.
وعليه؛ فما دمت ذهبت لهذا العراف غير معتقدة أنه يعلم الغيب بنفسه وإنما يعلم بعض الأشياء عن طريق الجن ، فليس في ذلك ما يخرجك من الملة، وعلى فرض الوقوع في الكفر الأكبر -أجارنا الله وإياك منه- فلا يشترط للتوبة إشهار التلفظ بالشهادتين.
قال الشيخ ابن باز (رحمه الله) : ....أما الشهادة على مسمع عالم فليس ذلك بشرط، وإنما التوبة تكون بالإقرار بما جحدته، وبعملك ما تركت، .......... أما إن كنت تركت الشهادتين أو شككت فيهما فإن التوبة من ذلك تكون بالإتيان بهما ولو وحدك. مجموع فتاوى ابن باز.
والله أعلم.