عنوان الفتوى : الحشيشة...حقيقتها ..حكمها..وعقوبة متناولها
الرجاء الرد علي في حكم الحشيش والماريجوانا وبيان الحكم الشرعي والدليل الشرعي والعقاب؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحشيشة محرمة بجميع أنواعها كالماريجوانا وغيره. قال التقي السبكي: والأصل في تحريمها ما رواه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه بسند صحيح عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر.
قال العلماء: المفتر كل ما يورث الفتور والخدر في الأطراف، وهذا الحديث فيه دليل على تحريم الحشيش بخصوصه، فإنها تسكر وتخدر وتفتر، ولذلك يكثر النوم لمتعاطيها.
وحكى القرافي وابن تيمية الإجماع على تحريمها قال ابن تيمية: ومن استحلها فقد كفر. قال: وإنما لم تتكلم فيها الأئمة الأربعة رضي الله تبارك وتعالى عنهم لأنها لم تكن في زمنهم، وإنما ظهرت في آخر المائة السادسة وأول المائة السابعة حين ظهرت دولة التتار. ا.هـ
ولها مضار دينية ودنيوية قال التقي السبكي رحمه الله: قال بعضهم: وفي أكل الحشيش مائة وعشرون مضرة دينية ودنيوية منها: أنها تورث الفكرة، وتجفف الرطوبات، وتعرض البدن لحدوث الأمراض، وتورث النسيان، وتصدع الرأس، وتقطع النسل والمني وتجففه، وتورث موت الفجأة، واختلال العقل وفساده، والدق، والسل، والاستسقاء، وفساد الفكر، وإفشاء السر، وذهاب الحياء، وكثرة المراء، وعدم المروءة، وكشف العورة، وعدم الغيرة، وإتلاف الكسب، ومجالسة إبليس، وترك الصلاة، والوقوع في المحرمات، والجذام، والبرص، وتوالي الأسقام، والرعشة، ونتن الفم، وسقوط شعر الأجفان، واحتراق الدم، وصفرة الأسنان، والبخر، وثقب الكبد، وغشاء العين، والكسل، والفشل، وتجعل الأسد كالعجل، وتعيد العزيز ذليلاً، والصحيح عليلاً، إن أكل لا يشبع وإن أعطي لا يقنع، وإن كُلم لا يسمع، تجعل الفصيح أبكم، والصحيح أبلم، وتذهب الفطنة، وتحدث البطنة، وتورث اللعنة والبعد عن الجنة. ا.هـ
وهذه الأضرار تختلف من شخص لآخر، وقد يوجد بعضها في بعض أنواع الحشيش دون بعض.
وعلى كل، فلا يوجد في الحشيش نوع إلا وفيه أضرار كثيرة، ولم يحرم الله تعالى شيئاً إلا وفيه من الأضرار ما لو علم العاقل حقيقته لأعرض عن تناوله، ما لم يكن ممن غلب هواه عقله، فقد قال القائل:
وآفة العقل الهوى فمن علا === على هواه عقله فقد نجا
وقد اختلف العلماء فيما يتعلق بالحشيشة في ثلاثة أشياء:
الأول: نجاستها.
الثاني: الحد على متعاطيها.
الثالث: جواز أكل القليل منها.
فذهب القرافي إلى أنها ليست نجسة ولا حد فيها، كما ذهب إلى جواز تناول اليسير منها. قال رحمه الله تعالى في الفروق: الفرق الأربعون بين قاعدة المسكرات وقاعدة المرقدات وقاعدة المفسدات، هذه القواعد الثلاث تلتبس على كثير من الفقهاء، والفرق بينها أن المتناول من هذه إما أن تغيب معه الحواس أو لا، فإن غابت معه الحواس كالبصر والسمع واللمس والشم والذوق فهو المرقد، وإن لم تغب معه الحواس فلا يخلو إما أن يحدث معه نشوة وسرور وقوة نفس عند غالب المتناول له أو لا، فإن حدث ذلك فهو المسكر وإلا فهو المفسد.
فالمسكر هو المغيب للعقل مع نشوة وسرور كالخمر، والمزر وهو المعمول من القمح، والبتع وهو المعمول من العسل، والسكركة وهو المعمول من الذرة.
والمفسد هو المشوش للعقل مع عدم السرور الغالب كالبنج والسيكران، ويدلك على ضابط المسكر قول الشاعر:
ونشربها فتتركنا ملوكاً === وأسداً ما ينهنهنا اللقاء
وبهذا الفرق يظهر لك أن الحشيشة مفسدة وليست مسكرة لوجهين:
أحدهما: أنا نجدها تثير الخلط الكامن في الجسد كيفما كان، فصاحب الصفراء تحدث له حدة، وصاحب البلغم تحدث له سباتاً وصمتاً، وصاحب السوداء تحدث له بكاء وجزعاً، وصاحب الدم تحدث له سروراً بقدر حاله. فتجد منهم من يشتد بكاؤه، ومنهم من يشتد صمته.
وأما الخمر والمسكرات فلا تكاد تجد أحداً ممن يشربها إلا وهو نشوان مسرور بعيد عن صدور البكاء والصمت.
وثانيهما: أنا نجد شرَّاب الخمر تكثر عربدتهم ووثوب بعضهم بالسلاح، ولا نجد أكلة الحشيشة إذا اجتمعوا يجري بينهم شيء من ذلك، ولم يسمع عنهم من العوائد ما يسمع عن شراب الخمر، بل هم همدة سكوت مسبوتون، لو أخذت قماشهم أو سببتهم لم تجد فيهم قوة البطش التي تجدها في شربة الخمر.
فلهذين الوجهين أنا أعتقد أنها من المفسدات لا من المسكرات، ولا أوجب فيها الحد، ولا أبطل بها الصلاة، بل التعزير الزاجر عن ملابسها.
تنبيه: تنفرد المسكرات عن المرقدات والمفسدات بثلاثة أحكام: الحد، والتنجيس، وتحريم اليسير. والمرقدات والمفسدات لا حد فيها ولا نجاسة، فمن صلى بالبنج معه أو الأفيون لم تبطل صلاته إجماعاً، ويجوز تناول اليسير منها فمن تناول حبة من الأفيون أو البنج أو السيركان جاز ما لم يكن ذلك قدراً يصل إلى التأثير في العقل أو الحواس، أما دون ذلك فجائز.
فهذه الثلاثة أحكام وقع بها الفرق بين المسكرات والآخرين، فتأمل ذلك واضبطه، فعليه تتخرج الفتاوى والأحكام في هذه الثلاثة. ا.هـ (من الفروق بتصريف يسير)
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن الحشيشة نجسة مسكرة يحرم تناول قليلها وكثيرها، ويجب إقامة حد الخمر عليها.
قال رحمه الله: هذه الحشيشة الصلبة حرام، سواء سكر منها أو لم يسكر، والسكر منها حرام باتفاق المسلمين. وقال: وأما المحققون من الفقهاء فعلموا أنها مسكرة، وإنما يتناولها الفجار لما فيها من النشوة والطرب.. وعلى من تناول القليل منها والكثير حد الشرب ثمانون سوطاً أو أربعون، إذا كان مسلماً يعتقد تحريم المسكر.
وقال رحمه الله: وتنازع الفقهاء في نجاستها على ثلاثة أقوال: أحدها: أنها ليست نجسة، والثاني: أن مائعها نجس، وأن جامدها طاهر، والثالث وهو الصحيح: أنها نجسة كالخمر، فهذه تشبه العذرة، وذلك يشبه البول، وكلاهما من الخبائث التي حرمها الله ورسوله. ا.هـ
نسأل الله السلامة والعافية.
والله أعلم.