عنوان الفتوى : الأخ إن اكتفى بالإنكار على أخته وكتم علاقتها المحرمة هل يعد ديوثا
بارك الله فيكم على هذه المساحة المخصصة، مسألتي تؤرقني منذ مدة بل وتكاد تفسد علي حياتي لأنني أفشل في العبادات في بعض الأحيان معتقدا أنه لا نفع لها مع غضب الله علي على هذا الموضوع، رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ثلاثةٌ قد حَرّمَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عليهم الجنةَ: مُدْمِنُ الخمر، والعاقّ، والدّيّوثُ الذي يُقِرُّ في أَهْلِهِ الخُبْثَ، وأنا واقع بين هاجسي الفريقين الأخيرين، فأختي أصغر مني متبرجة إلى أبعد حد وسيئة الخلق مع إخوانها وخصوصا مع أمها وتبعث على النفور وتجد في تصرفها دعما من الأب لأن والدي متخاصمان منذ سنة ونصف بعد أن ضرب أبي أمي بعد حرب يومية لسنوات بسبب سوء تقدير الأب للمسؤولية من جميع النواحي منذ الزواج وأختي تحتمي بتحضره الراقي حتى لا أقول أمرا آخر، اكتشفت بالصدفة في رمضان ما كنت أشك فيه وهو أن لها صديقا نسيت إطفاء حسابها في موقع ذات يوم فأخبرت أمي بنتيجة محاربتهم لنا كلما أردنا التطرق لحالة بنتها ومن شدة الصدمة ذهبت إلى مسجد بعيد بالمدينة ولم أعد إلا بعد المغرب ولما رجعت وجدت أختي غالقة الغرفة بالمفتاح وظلت كذلك لأيام، لم أستطع ضربها أو التكلم معها أو إفشاء الأمر، لأن أخي الأكبر يحتمل كثيرا أن يقتلها وحتى أخي الأصغر منها كذلك، منعتها من الهاتف ومن الأنترنت ولما كلمت أباها قال لي إنه سيهتم بالأمر لكن أخبرها بدبلوماسية قل نظيرها بأن هذه الأمور ليس هذا وقتها ويجب عليها أن تفكر في دراستها الجديدة في الجامعة وكأن عملها عادي وحضاري لكن فقط سيء التوقيت وانتهى الموضوع، كنت قادرا على ضربها وفرض الحجاب عليها أو على إخبار أخيها فتتوقف عن الدراسة وتلزم البيت طوال حياتها هذا إن كانت قد بقيت على قيد الحياة أصلا، لأنه لا يأبه لأبيه أو أمه ويمكنه فعل أي شيء، لكن اليوم أقول في نفسي إنني ربما ديوث، وفقط فأنا الآن المصلي والمتأدب في الكلام مع والدي على عكس البقية كلهم، أنا هو الابن العاق والذي يحظى بالقدر الأكبر من احتقار الأب وعدم رضاه وتهديده بدعوة الأب والفشل في الحياة، لأنني عدت مرة أخرى وتجرأت أن أتكلم عن اللباس وعن السيرة الخلقية وعن التعامل بالربا وعن... لقد أكاد أجن كنت قادرا أن أسافر وهذا ما أريده منذ سنوات لكن لم أستطع ترك أمي وحالتها كالمعلقة بين أيدي الذئاب فلا أئتمنهم جميعا، مطرقة الدياثة وسندان العقوق، فما رأيكم؟ وعذرا على الإطالة فقد حاولت الاختصار.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نوصيك أولا بأن تهون على نفسك، فإن هذا أدعى للتفكير السليم والبحث عن سبل السير في الطريق الصحيح، وأما القلق والتوتر فتأثيره سلبي غالبا، وأما الدياثة وهي الرضا بالخبث في الأهل فلا شك في أنها من الأمور الخطيرة ويكفي في بيان خطورتها الحديث الذي أشرت إليه، ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 56653.
ويبدو لنا من خلال سردك أنك لست ديوثا، بل غيورا على أختك، بدليل أنك قد أنكرت عليها وسعيت في إصلاحها فلا تقلق إذن ولكن عليك بالاستمرار في نصحها برفق ولين، والدعاء لها بالتوبة والهداية عسى الله أن يحقق ذلك، وإن رجوت أن ينفعها الهجر فاهجرها، وإلا فالأفضل أن تسعى في تأليف قلبها عسى أن يكون ذلك سببا في التأثير عليها، وراجع ضوابط الهجر والتأليف بالفتوى رقم: 29790.
وبهذا تكون قد قمت بالواجب عليك.
وما دام أبوك حيا فهو وليها والمسئول عنها أمام الله، روى البخاري ومسلم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته.
فينبغي أن تذكر أباك بلطف ولين بهذه المسئولية، ويمكن أن تسلط عليه من يكون قوله مقبولا عنده، وأما ما ذكرت من كون أبيك قد تكلم معها بدبلوماسية بأن هذه الأمور ليس هذا وقتها إلخ، فقد يكون هذا منه على سبيل التدرج في الإصلاح، أما أن يكون ذلك منه إقرارا ورضى بهذا العمل بعد ذلك فلا ريب أنه كلام باطل، وهذا فيما يتعلق بالدياثة.
وأما العقوق فهو أمر خطير أيضا بدليل الحديث السابق، ولمزيد الفائدة يمكنك الاطلاع على الفتوى رقم: 17754.
وإذا كان هنالك من يصفك بالعقوق لمجرد قيامك بالإنكار على أختك والتوجيه الصحيح لها مع عدم رضا والديك بهذا التوجيه أو لتوجيهك لأبيك أو أمك ـ إن كان ذلك بأسلوب حسن ـ من أجل تأديب هذه الأخت، فليس هذا من العقوق في شيء فلا تهتم لهذا الأمر، وقد سبق أن بينا أن بذل النصح للوالدين ليس من العقوق، فراجع الفتوى رقم: 9930.
فعليك بالاستمر في النصح وتحري الحكمة والموعظة الحسنة، وأن تجتهد في أن تكون قدوة صالحة في أخلاقك وتعاملك حتى يقتدي بك الآخرون، وإياك ثم إياك أن تتكاسل في طاعة الله أو تتهاون مع صلاتك تحت أي ذريعة، وراجع الفتوى رقم: 12581.
والله أعلم.