عنوان الفتوى : حكم مواصلة التنفل يوم الجمعة حتى حضور الخطيب
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام ـ فهل هذا الحديث دليل على أنه يستحب للمصلي يوم الجمعة عندما يدخل المسجد أن يصلي بدون انقطاع إلى أن يدخل الإمام؟ وهل ثبت أن الصحابة كانوا يصلون يوم الجمعة بدون انقطاع إلى دخول الإمام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ وفيه الترغيب في التنفل قبل الجمعة واستحبابه عموما من غير تحديد، قال النووي عند شرح الحديث المذكور: وفيه أن التنفل قبل خروج الإمام يوم الجمعة مستحب وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وفيه أن النوافل المطلقة لا حد لها، لقوله صلى الله عليه وسلم: فصلى ما قدر له. انتهى.
لكن لم نجد من أهل العلم من استدل به على استحباب مواصلة النافلة حتى يدخل الإمام المسجد, وقد روي أن الصحابة والتابعين كانوا يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر للخطبة، فقد روى مالك عن ابن شهاب، عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنه أخبره: أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون ـ قال ثعلبة ـ جلسنا نتحدث فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا، فلم يتكلم منا أحد. انتهى.
لكن الفقهاء يستدلون بهذا الأثرعلى انقطاع التطوع بجلوس الإمام على المنبر، قال ابن قدامة في المغني: وينقطع التطوع بجلوس الإمام على المنبر فلا يصلي أحد غير الداخل يصلي تحية المسجد ويتجوز فيها، لما روى ثعلبة بن أبي مالك أنهم كانوا في زمن عمر ابن الخطاب يوم الجمعة يصلون حتى يخرج عمر فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون جلسوا يتحدثون حتى إذا سكت المؤذن وقام عمر سكتوا فلم يتكلم أحد، وهذا يدل على شهرة الأمر بينهم. انتهى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض كلامه حول التنفل بعد أذان الجمعة: بل ألفاظه فيها الترغيب في الصلاة إذا قدم الرجل المسجد يوم الجمعة من غير توقيت كقوله: من بكر وابتكر ومشى ولم يركب وصلى ما كتب له ـ الحديث، وهذا المأثور عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا إذا أتوا المسجد يوم الجمعة يصلون من حين يدخلون ما تيسر، منهم من يصلي ثماني ركعات، ومنهم من يصلي أقل من ذلك، ولهذا كان جمهور الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت مقدرة بعدد، ثم قال: وهذا مذهب مالك ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه، وهو المشهور من مذهب أحمد. انتهى.
والله أعلم.