عنوان الفتوى : لماذا خلقنا؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أنا طالب في الجامعة في كلية الطب البيطري، عندي مشكلة أني و أنا في السنة الثانية لا أقدر على التركيز في حياتي، أفكر كثيرا في أشياء كثيرة. أنا مخلوق لماذا ولما ذا أراجع وأشياء تافهة جدا. مثلا أذاكر بطريقه النهيه وأشياء غريبة ولست مركزا في حياتي و لا مستمتعا بحياتي. أرجو الإفادة.

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فسعادة الإنسان موكولة بسكينته وطمأنينة قلبه للإيمان، فيعرف مبدأ حياته ولماذا خلق، ومنتهاها وإلى أين يصير، ويحصي من أسماء ربه تعالى وصفاته وأفعاله ما يتعرف به عليه، فيعظِّمه ويرجو رحمته، ويحبه ويخاف عقابه، ويراقبه ويستحيي منه، ويطيعه ويرضى بقضائه، ويقبل عليه ويشتاق إلى لقائه، ويخلص لوجهه ويسعى لمرضاته، ويقدم أمره على ما سواه، يؤثر أخراه على دنياه ... فهذه الأحوال الإيمانية هي التي يحيى بها القلب وينشرح بها الصدر وتهون بها مصائب الدنيا، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. [النحل: 97]. وقال عز وجل: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. [طه: 123-124]. وراجع لتفصيل ذلك الفتويين: 117997، 117638.
وهذا هو الذي أرسل به الرسل، وأنزل به الكتب، ولا سبيل إلى تحصيله إلا بالسير في ركب الأنبياء: رسل الخير إلى الخلق، وحملة النور إلى البشر، وخاتمهم وأفضلهم هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله ربه رحمة للعالمين. ودينه الإسلام هو صراط الله المستقيم، الذي لا يهتدي الإنسان إلا إذا عرفه وتمسك به.
قال الدكتور عبد الكريم زيدان في (أصول الدعوة): الإسلام هو الأجوبة الصحيحة الحقة لثلاثة أسئلة، شغلت عقول البشر في القديم وفي الحديث، وترد على فكر كل إنسان كلما خلا بنفسه وشرح خواطره في أمور الحياة، أو شيِّع ميتًا أو شاهد قبورًا ... هذه الأسئلة هي: من أين جئنا؟ ولماذا جئنا؟ وإلى أين المصير ... فعن السؤال الأول يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} ... {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا، إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} .. فهذه الآيات الكريمة وأمثالها في القرآن الكريم تبين أن الإنسان لم يكن شيئًا، كان معدومًا، فخلقه الله تعالى من تراب، ثم جعل نسله من ماء مهين على النحو المذكور في هذه الآيات، فمن جهة خلق الإنسان الأول وهو آدم عليه السلام، كان خلقه من طين أو تراب، ومن جهة خلق نسله وذريته، كان خلقه من {نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} أي: من الماء الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب. وعن السؤال الثاني: يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}. والعبادة تتضمن معرفة الله ومحبته والخضوع له، واتباع مناهجه التي وضعها للإنسان لتكميل نفسه، ورفعها إلى المستوى اللائق بها، والمستعدة له؛ ليظفر بالسعادة الحقيقية هنا وهناك في الدنيا والآخرة ... وعن السؤال الثالث: يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} .. {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}. فهذه الآيات الكريمة تبيِّن مصير الإنسان بعد موته، وهو رجوعه إلى خالقه؛ لمجازاته على أعماله في الدنيا، وإدخاله الدار التي تلائمه، فإن كان قد زكَّى نفسه بعبادة الله وصار من الطيبين فنزله في دار الطيبين: الجنة، وإن كان قد دنَّس نفسه ولوَّثَها بأقذار المعصية وأبقى خبثها، فنزله في دار الخبيثين: جهنم. اهـ.
ولذلك نوصي الأخ السائل الكريم بالإقبال على كتاب الله تعالى وقراءته بتدبر وتفهُّم، والاهتمام بمطالعة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته. ثم بالمحافظة على الفرائض وما يمكن من النوافل، خاصة نوافل الصلاة والذكر. ثم بكثرة الدعاء والإلحاح على الله تعالى في المسألة. وراجع الفتوى رقم: 111261.
وقد سبق لنا بيان الحكمة من خلق الخلق في الفتويين: 75978، 114255. وأن الدنيا دار ابتلاء ومحنة في الفتويين: 61244، 23586. وراجع في علاج الوسوسة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 3086، 51601، 136381.
والله أعلم.