عنوان الفتوى : لا حرج في خلط وصي اليتيم ماله بماله والأكل منه جميعا
توفي والدي وترك إخواني قصّر أعمارهم: سبع سنوات، وعشر سنوات. وقد كانت تأتينا أموال من منظمات إسلامية كفالة للأيتام. وأنا الآن توظفت ولي راتب وأقوم بإعطائه للوالدة، وتقوم هي بصرفه هو وأموال المنظمات على مستلزماتنا اليومية، وأنا آكل وأشرب منه. فهل هذا يدخل في أكل مال اليتيم؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليكم في أن تخلطوا مالكم بالمال المتبرع به لهؤلاء الأيتام وتأكلوا منه جميعا ما دام ذلك على غير وجه الإفساد، قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة:220}.
قال ابن كثير رحمه الله: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وإِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النِّسَاءِ: 10] انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ، فَجَعَلَ يَفْضُلُ لَهُ الشَّيْءُ مِنْ طَعَامِهِ فَيُحْبَسُ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسَدَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ الله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ. فَخَلَطُوا طَعَامَهُمْ بِطَعَامِهِمْ وَشَرَابَهُمْ بِشَرَابِهِمْ. رواه أبو داود والنسائي. وهكذا ذكر غير واحد في سبب نزول هذه الآية كَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَقَتَادَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. وعن عائشة رضي الله عنها: إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْيَتِيمِ عِنْدِي على حدة، حَتَّى أَخْلِطَ طَعَامَهُ بِطَعَامِي، وَشَرَابَهُ بِشَرَابِي. فَقَوْلُهُ قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ أَيْ عَلَى حِدَةٍ، وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ أَيْ وَإِنْ خَلَطْتُمْ طَعَامَكُمْ بِطَعَامِهِمْ وَشَرَابَكُمْ بِشَرَابِهِمْ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ، لِأَنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ، وَلِهَذَا قَالَ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ أَيْ يَعْلَمُ مَنْ قَصْدُهُ وَنِيَّتُهُ الْإِفْسَادَ أَوِ الْإِصْلَاحَ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أَيْ ولو شاء الله لَضَيَّقَ عَلَيْكُمْ وَأَحْرَجَكُمْ، وَلَكِنَّهُ وَسَّعَ عَلَيْكُمْ، وَخَفَّفَ عَنْكُمْ، وَأَبَاحَ لَكُمْ مُخَالَطَتَهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، قال تَعَالَى: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام: 152]. انتهى.
والله أعلم.