عنوان الفتوى : ماء زمزم لما شرب له
ماء زمزم لما شرب له، فما تقول في التالي: رجل شرب ماء زمزم لكي يُحَرِّمْهُ الله على النار فيقول يارب أنا أشربه لكي تجعلني وذريتي والمؤمنين والمؤمنات وذريتهم أجمعين حَرَامَاً على نار جهنم، وآخر يشربه ويقول يارب أنا أشربه لكي تجعلني مقيم الصلاة وذريتي والمؤمنين والمؤمنات وذريتهم أجمعين، وآخر يشربه ويقول ربي لكي تجعلني عندك رضيا وذريتي والمؤمنين والمؤمنات وذريتهم أجمعين، وآخر يشربه ويقول ربي لكي لا يدنو مني الشيطان ولا يدنو من ذريتي ولا يدنو من المؤمنين والمؤمنات وذريتهم أبدا، وآخر يشربه ويقول ربي لكي ترزقني وذريتي والمؤمنين والمؤمنات وذريتهم قلبا سليما نلقاك به، ثم يقولون إن كان ماء زمزم ينفع في مثل هذه الأشياء أصابنا خيرها وإن لم تكن لمثل هذه الأشياء لم نكن قد خسرنا شيئا، لأننا لم ندع بسوء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا الكلام عن حديث: ماء زمزم لما شرب له ـ في الفتوى رقم: 110732، وأنه حديث حسن بمجموع طرقه، وأنه حديث عام.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: فيه دليل على أن ماء زمزم ينفع الشارب لأي أمر شربه لأجله، سواء كان من أمور الدنيا، أو الآخرة، لأن: ما ـ في قوله: لما شرب له ـ من صيغ العموم. اهـ.
وقال النووي في الأذكار: وهذا مما عمل العلماء والأخيار به، فشربوه لمطالب لهم جليلة فنالوها. اهـ.
ولكن هل يشرع الشرب منه لمنفعة غير الشارب؟ هذا محتمل، وقد قال الدردير في الشرح الصغير: قد ورد: ماء زمزم لما شرب له ـ أي من علم، أو عمل، أو عافية، أو سعة رزق ونحو ذلك. اهـ.
فقال الصاوي في حاشيته: قوله: ماء زمزم لما شرب له: أي فيحصل ما قصده بالنية الحسنة لنفسه أو لغيره. اهـ.
وهذا مما يجعل الدعاء بالصيغة التي ذكرها السائل محتملا، ومما يقويه أيضا أن كثيرا من أهل العلم ذكروا في مواطن إجابة الدعاء: الشرب من ماء زمزم.
قال ابن الجزري في الحصن الحصين في أوقات الإجابة وأحوالها: وعند شرب ماء زمزم فقال الشوكاني في شرحه تحفة الذاكرين: يدل على ذلك ما أخرجه الدارقطني والحاكم من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماء زمزم لما شرب له ـ إن شربته تستشفي به شفاك الله، وإن شربته لشبعك أشبعك الله، وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله وهو هزمة جبريل، وسقيا إسماعيل، وزاد الحاكم: وإن شربته مستعيذا أعاذك الله، قال: وكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال: اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داءـ قال الحاكم بعد إخراجه: صحيح الإسناد إذا سلم من الجارود، معناه محمد بن حبيب، قال المنذري: سلم منه فإنه صدوق، قاله الخطيب البغدادي وغيره: ولكن الراوي عنه محمد بن هشام المروزي لا أعرفه، وروى الدارقطني دعاء ابن عباس مفردا من رواية حفص بن عمر العدني. اهـ.
وقال أبو الطيب الفاسي في شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام: ولا يقتصر على هذا الدعاء، بل يدعو بما أحبه من أمر الآخرة في الدعاء، ويجتنب الدعاء بما فيه مأثمة. اهـ.
وقال الشيخ ابن باز: يستحب للحاج الشرب من ماء زمزم والتضلع منه، والدعاء بما تيسر من الدعاء النافع. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين: الدعاء عند شربه قد استحبه الكثير من العلماء. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 6983 و الفتوى رقم: 76849.
ثم ننبه على أن ما جاء في ختام السؤال من الكلام المنقول عن من يفعل ذلك، أن هذا المسلك غير مقبول، قال ابن العربي في أحكام القرآن: النبي صلى الله عليه وسلم قال: ماء زمزم لما شرب له ـ وأخبر النبي بأن هذا موجود فيه إلى يومه ذلك، وكذلك يكون إلى يوم القيامة، لمن صحت نيته وسلمت طويته، ولم يكن به مكذبا ولا شربه مجربا، فإن الله مع المتوكلين وهو يفضح المجربين، ولقد كنت بمكة مقيما، وكنت أشرب ماء زمزم كثيرا وكلما شربته نويت به العلم والإيمان، حتى فتح الله لي بركته في المقدار الذي يسره لي من العلم، ونسيت أن أشربه للعمل، ويا ليتني شربته لهما حتى يفتح الله علي فيهما.
وذكر القرطبي أيضا نحو ذلك في تفسيره الجامع لأحكام القرآن.
وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين: السنة لا تثبت بمجرد التجربة، ولا يخرج بها الفاعل للشيء معتقدا أنه سنة عن كونه مبتدعا. اهـ.
والمقصود هو أن يعتمد من يشرب ماء زمزم ويدعو لنفسه وللمسلمين على ما سبق بيانه في أول الفتوى، لا على مجرد الرأي ولا على التجربة.
والله أعلم.