عنوان الفتوى : طلقها ثلاثاً وتريد أن تتزوج من رجل على فراش الموت لترجع إلى الأول
سألت عالما فقال : إن طلاقنا طلاق غير رجعي ، وأنا أريد أن أعيد زوجتي ثانية ، وهي تريد أن تتزوج رجلاً (غير قادر على الجماع) وهو مريض مرض الموت وسيموت في خلال أيام قليلة (وفقا لرأي الأطباء) وذلك حتى أتمكن من الزواج بها مجدداً . ولهذا فإنها يمكن أن تدفع مالا للرجل على فراش الموت ليتزوجها ، فهل تكون حلالاً لي لأتزوجها في حال وفاته؟ نحن في انتظار ردكم بفارغ الصبر. برجاء المساعدة
الحمد لله
إذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ، لقول الله تعالى :
(فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا
غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا [يعني : الزوج الثاني] فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ
يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ
يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) البقرة/230 .
ولا بد أن يجامعها ذلك الزوج الثاني ، فإن لـم يحصل جماع بينهما فلا تحل بذلك للزوج
الأول .
وعلى هذا اتفقت كلمة العلماء ، ودليل ذلك من السنة : ما رواه البخاري (2639) ومسلم
(1433) عن عائشة رضي الله عنها ، أن رفاعة طلق امرأته الطلقة الثالثة ، وأنها تزوجت
بعده بعبد الرحمن بن الزبير ، وادعت أنه لم يدخل بها ، وأرادت الطلاق منه ، والرجوع
إلى زوجها الأول ، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : (أَتُرِيدِينَ أَنْ
تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ ؟ لَا ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ ، وَيَذُوقَ
عُسَيْلَتَكِ) .
قال النووي رحمه الله :
"قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته
وَيَذُوق عُسَيْلَتك ) كِنَايَة عَنْ الْجِمَاع ، شَبَّهَ لَذَّته بِلَذَّةِ
الْعَسَل وَحَلَاوَته .
وَفِي هَذَا الْحَدِيث : أَنَّ الْمُطَلَّقَة ثَلَاثًا لَا تَحِلّ لِمُطَلِّقِهَا
حَتَّى تَنْكِح زَوْجًا غَيْره ، وَيَطَأهَا ثُمَّ يُفَارِقهَا، وَتَنْقَضِي
عِدَّتهَا . فَأَمَّا مُجَرَّد عَقْده عَلَيْهَا فَلَا يُبِيحهَا لِلْأَوَّلِ .
وَبِهِ قَالَ جَمِيع الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ
، إلا سعيد بن المسيب ، وَلَعَلَّه لَمْ يَبْلُغهُ هَذَا الْحَدِيث" انتهى .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"ومع تصريح النبي صلى الله عليه وسلم ببيان المراد من كتاب الله تعالى ، وأنها لا
تحل للأول حتى يذوق الثاني عسيلتها وتذوق عسيلته ، لا يعرج على شيء سواه ، ولا يجوز
لأحد المصير إلى غيره" انتهى من"المغني" (10/549) .
وإذا تم الاتفاق مع الزوج الثاني أنه سيتزوجها ليحلها لزوجها الأول ، أو نوى الزوج
الثاني ذلك من غير اتفاق مع أحد ، وليس له رغبة في نكاحها ولا البقاء معها ، فهذا
هو نكاح التحليل الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعله ، ولا تحل المرأة
بهذا النكاح المحرم لزوجها الأول ، حتى لو جامعها الثاني .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"نكاح المحلل حرام باطل ، في قول عامة أهل العلم ، ... فإن شُرط عليه التحليل قبل
العقد ، ولم يذكره في العقد ، أو نوى التحليل من غير شرط ، فالنكاح باطل أيضاً"
انتهى باختصار من"المغني" (10/49 – 51) .
فإذا وجدت النية من المرأة فقط ، ولم يتم الاتفاق على ذلك مع الزوج الثاني ولا نوى
التحليل ، فالنكاح صحيح ، ويحصل بذلك إحلالها للزوج الأول ، إذا دخل الثاني بها ،
ثم طلقها أو مات عنها ، ولا تضر نية المرأة في ذلك .
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم : (159041)
.
لكن كونها تدفع مالا لهذا الرجل ، ليوافق على ذلك العقد : مما يدل على أنه على علم
بنية التحليل ، وأنه لا رغبة له في نكاحها أصلا ؛ فيكون بقبوله لذلك : كالتيس
المستعار ، الذي يدخل بين الزوجين المطلقين ، ليحلها إلى زوجها الأول .
وينظر : جواب السؤال رقم : (76324)
.
والله أعلم .