عنوان الفتوى : الأنبياء أيدهم الله تعالى بالأيات التي تدل على صدقهم
هل كل نبي كان له آية أو علامة لقومه؟ ولو كان نعم، فما معنى قول الله تعالي (قالوا ياهود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا.) الآية. وإن كان لا، فكيف بقوم يؤمنون بالله وبرسول لم يأت بآية أو علامة ليصدقوا أن هذا الرجل رسول من عند الله؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أيد الله جميع الأنبياء بمعجزات منها ما ذكر في القرآن أو في السنة، ومنها ما لم يذكر قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ {الحديد:25}
وفي الصحيحين عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِىٍّ إِلاَّ قَدْ أُعْطِىَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِى أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاه اللَّهُ إِلَيّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وفي الفتح لابن حجر: قوله ما من الأنبياء نبي إلا أعطي: هذا دال على أن النبي لا بد له من معجزة تقتضي إيمان من شاهدها بصدقه، ولا يضره من أصر على المعاندة. قوله: من الآيات: أي المعجزات الخوارق ... والمعنى أن كل نبي أعطى آية أو أكثر من شأن من يشاهدها من البشر أن يؤمن به لأجلها، وعليه بمعنى اللام أو الباء الموحدة والنكتة في التعبير بها تضمنها معنى الغلبة أي يؤمن بذلك مغلوبا عليه، بحيث لا يستطيع دفعه عن نفسه، لكن قد يجحد فيعاند كما قال الله تعالى: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما. اهـ
وأما معجزة هود العظمى فهي قوة ثقته بالله تعالى وتوكله عليه واعتماده مما جعله لا يبالي بقوة قومه وشدة بطشهم وعتوهم، فتحداهم علناً بتلك المعجزة الباهرة قائلا لهم، هذه بينتي التي جئتكم بها.
قال الله تعالى قاصاً علينا ما دار بينهم في السورة التي سميت باسمه عليه السلام: قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ* إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ* مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ* إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {هود: 53- 56}.
وفي التفسير القيم لابن القيم: وهو سبحانه لكمال عدله ورحمته وإحسانه وحكمته ومحبته للعذر وإقامته للحجة لم يبعث نبيا من الأنبياء إلا ومعه آية تدل على صدقه فيما أخبر به، قال تعالى: لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط. وقال تعالى: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر. وقال تعالى: قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين* فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير. وقال تعالى: وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك. وقال تعالى: وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير.
حتى إن من أخفى آيات الرسل آيات هود عليه السلام حتى قال له قومه: يا هود ما جئتنا ببينة. ومع هذا فبينته من أظهر البينات، وقد أشار إليها بقوله: إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فيكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم.
فهذا من أعظم الآيات أن رجلا واحدا يخاطب أمة عظيمة بهذا الخطاب غير جزع ولا فزع ولا خوار بل واثق مما قاله جازم به، قد أشهد الله أولا على براءته من دينهم ومما هم عليه إشهاد واثق به معتمد عليه معلم لقومه أنه وليه وناصره وأنه غير مسلطهم عليه. اهـ
والله أعلم.