عنوان الفتوى : هل قول الزوج لزوجته بعد طلاقها \" إنه لا يريد الطلاق \" يعتبر إرجاعاً لها؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أنا آية من روسيا ؛ تزوجت من رجل مغربي لثلاث سنوات ، ثم طلقني الطلقة الأولى ، و بعد ذلك أعادني إليه قبل انتهاء العدة ، ثم طلقني الطلقة الثانية عبر الإنترنت ، لأنني كنت في حالة خصام معه ، ولم يعد يسكن معي ، وقال ما نصه : أنت مطلقة للأبد . وخلال فترة العدة طردته الحكومة من روسيا لخمس سنوات ، وهو الآن ببلده المغرب ، ثم بعد ذلك كلمني عبر الإنترنت ، وقال : إنه لا يريد الطلاق . فهل يعني هذا أنه يريد إعادتي ؟ وهل تجب علي العودة إليه ؟ وإذا لم أعد إليه ، فهل أنا ناشز ؟ علما أنه لم يطلب مني العودة بقول صريح ، وأنا الآن لا أريد العودة إليه ، وهو لا يمكنه دخول روسيا لخمس سنوات . أريد تفصيلا لوضعيتي ؛ ما ذا يجب علي أن أعمل حتى أتحرر من هذا الرجل ؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق


الحمد لله
أولا :
الطلقة الثانية التي أوقعها عليك زوجك عبر الإنترنت لازمة لك ، إذا كان قد تلفظ بها ، وكنت قد تأكدت أن الذي يحدثك فعلا هو زوجك .
وأما إذا كان طلاقه لك عن طريق الكتابة ، سواء كانت رسالة فورية ، أو عن طريق البريد الإلكتروني : فهي واقعة أيضا ، ، إذا نوى الطلاق ؛ وذلك أن كتابة الطلاق من كنايات الطلاق ، فلا يقع بها الطلاق إلا مع النية .
وينظر جواب السؤال رقم(72291).
ثانيا :
صيغة الطلاق التي ذكرها لك زوجك : أنت طالق إلى الأبد ؛ تقضي البينونة الكبرى ، عند جمهور أهل العلم ، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وغيره من أهل العلم ، أن الزوج لا يملك في كل مرة إلا طلقة واحدة ، فإن كانت الأولى فقد بقيت له اثنتان ، وإن كانت الثانية : فقد بقيت له واحدة ، وإن كانت الثالثة : بانت منه زوجته .
وينظر : جواب السؤال رقم (46561 )
وبناء على ذلك : فالطلقة الثانية التي أوقعها عليك زوجك ، هي طلقة رجعية ، وبإمكانه أن يردك إليه ما دمت في فترة العدة ، إذا كان راغبا في إصلاح ذات بينكما ، والعيش معك بالمعروف ؛ وحينئذ : لا يحل لك الامتناع عنه ، وتكونين ناشزا في حال امتناعك عن طاعته.
قال ابن المنذر رحمه الله :
" وأجمعوا على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة ، وكانت مدخولا بها ، تطليقة أو تطليقتين ، أنه أحق برجعتها حتى تنقضي العدة ، وأجمعوا أن الرجعة تكون بالإشهاد ، وأجمعوا أن الرجعة إلى الرجل ، ما دامت في العدة ، وإن كرهت ذلك المرأة " انتهى من "الإجماع" ، لابن المنذر ص (126) .
وينظر : "تفسير القرطبي" (3/120) ، الشرح الممتع (13/181-183) .

ثالثا :
قول زوجك : إنه لا يريد الطلاق ، ليس له تأثير فيما مضى من الطلاق ؛ لأن النية في طلاق الكناية إنما ينظر فيها وقت التلفظ بالطلاق ، وليس في إرادته أو نيته بعد ما طلق .
وأما بالنسبة لرجعتك : فقول زوجك : إنه لا يريد الطلاق ، ليس صريحاً في الرجعة ، وإنما هو إخبار عن عدم رغبته في البينونة ، وذلك غير كاف ، فلا بد لرجعتك ، ، من أن يقول : راجعتك ، أو راجعت امرأتي ، أو نحو ذلك من الألفاظ التي تدل على أنه ردك إليه فعلا .
قال البهوتي رحمه الله :
" ( وَتَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِلَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِهَا نَحْوَ رَاجَعْتُ امْرَأَتِي أَوْ ارْتَجَعْتُهَا أَوْ أَرْجَعْتُهَا أَوْ رَدَدْتُهَا أَوْ أَمْسَكْتُهَا ) وَ ( لَا ) تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ ( بِنَكَحْتُهَا أَوْ تَزَوَّجْتُهَا ) لِأَنَّ هَذَا كِنَايَةٌ وَالرَّجْعَةُ اسْتِبَاحَةُ بُضْعٍ مَقْصُودٍ فَلَا تَحِلُّ بِالْكِنَايَةِ كَالنِّكَاحِ ( وَإِنْ خَاطَبَهَا ) أَيْ الْمُطَلَّقَةُ بِالرَّجْعَةِ ( فَ ) صِفَتُهَا أَنْ ( يَقُولَ : رَاجَعْتُكِ أَوْ أَرْتَجَعْتُكِ أَوْ أَرْجَعْتُكِ أَوْ رَدَدْتُكِ أَوْ أَمْسَكْتُكِ ) " انتهى من "كشاف القناع".
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
" وتحصل الرجعة بلفظ : "راجعت امرأتي"، ونحو ذلك ؛ مثل: رددتها، أمسكتها، أعدتها...وما أشبه ذلك .
وتحصل الرجعة أيضا بوطئها إذا نوي الرجعة ، على الصحيح .
وإذا راجعها ؛ فإنه يسن أن يشهد على ذلك ، وقيل: يجب الإشهاد؛ لقوله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ، وهو رواية عن الإمام أحمد . وقال الشيخ تقي الدين: "لا تصح الرجعة مع الكتمان بحال" . انتهى من "الملخص الفقهي" (2/400) .
ولا يشترط لصحة الرجعة أن يواجهك بها مباشرة ، بل بإمكانه أن يراجعك وهو في بلده ، وأنت ـ أيضا ـ في بلدك ، لكنه إذا لم يواجهك بهذه الرجعة ، وجب عليه أن يُشهد رجلين عدلين ، ليتبين أنه راجعك فعلا ، قبل انتهاء عدتك منه .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا أراد الإنسان أن يراجع زوجته المطلقة ، فإنه يسن أن يُشْهِد على ذلك ...
وقيل : إن الإشهاد واجب لقوله تعالى : وَأَشْهِدُوا ، فالأمر للوجوب ؛ ولأن الرجعة كابتداء النكاح ، فكما أن ابتداء النكاح لا بد فيه من الإشهاد ، فالرجعة لا بد فيها من الإشهاد .
ويحتمل أن يقال : في هذا تفصيل ، إن راجعها بحضرتها فلا حاجة للإشهاد ، وإن راجعها في غيبتها وجب الإشهاد ؛ لأنه إذا راجعها في غيبتها ولم يشهد ، ربما تنكر وتقول : أبداً ما راجعتني ، إذا أعلمها وأخبرها بالمراجعة بعد انتهاء العدة ، وحينئذٍ يقع الإشكال ؛ لأنه ليست المشكلة أنها تحرمه من المراجعة ، بل المشكلة أنها تحل لغيره ، وهي ما زالت في عصمته ، فالصواب هذا التفصيل. " انتهى من "الشرح الممتع" (13/185-186) .
رابعا :
إذا راجعك زوجك قبل انتهاء عدتك ، فلا يحل لك أن تطلبي الطلاق منه ، ولا أن تسعي في الفرقة بينكما ، ما لم يوجد عذر شرعي يبيح ذلك ، كأن يكون تاركا للصلاة مطلقا ، أو كان لا يعطيك حقك من النفقة والسكنى والعشرة بالمعروف ، ونحو ذلك من الأعذار المعتبرة .
ويراجع جواب السؤال رقم ، ورقم (99870)، ورقم (101423)
ومن الأعذار التي تبيح لك طلب الفرقة من زوجك ، عند بعض أهل العلم ، وهو مذهب المالكية : أن يتغيب عنك زوجك ، أو يحبس مدة طويلة ، إذا كنت تتضررين بذلك .
وينظر : "الموسوعة الفقهية" (29/62-66) .
والمدة المذكورة : ( خمس سنوات ) مدة طويلة ، يشق على الزوجة ـ عادة ـ أن تستغني عن زوجها فيها ، فلها أن تطلب الطلاق حينئذ إن كان لا يمكنها الانتقال إلى بلد زوجها .
وينظر جواب السؤال رقم (12179)
والله أعلم .