عنوان الفتوى : هل لها أن تتصدق بأغلى مالها دون علم زوجها وأهلها ؟
لدي ثروة طائلة وأريد التصدق ببعض منها ولكني أخشى ردة الفعل من زوجي وأسرتي. فلقد فكرت في إخراجها سراً ولكني خشيت من أن يسألوني وعندئذ سيصعب عليّ التصرف مع الوضع. لأنهم سيقولون أنني ما زلت صغيرة ولا أدرك أهمية المال وكيفية التصرف فيه.. لا سيّما إذا علموا أنني أنوي التصدق بأثمن شيء أملكه.. فإني أحب الله تعالى وأريد أن أتصدق بهذا الشيء، فلا أدري ماذا أفعل. هل أتصدق به في السر وليكن ما يكن؟ أم ما هي نصيحتكم؟
الحمد لله
للمرأة في الإسلام ذمة مالية مستقلة إذا كانت بالغة رشيدة ، تحسن التصرف في أموالها
، لعموم قوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ
فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) النساء /
6 .
قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه :
"بَاب هِبَةِ الْمَرْأَةِ لِغَيْرِ زَوْجِهَا وَعِتْقِهَا إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ
فَهُوَ جَائِزٌ إِذَا لَمْ تَكُنْ سَفِيهَةً فَإِذَا كَانَتْ سَفِيهَةً لَمْ يَجُزْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) " انتهى .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وَبِهَذَا الْحُكْم قَالَ الْجُمْهُورُ , وَخَالَفَ طَاوُسٌ فَمَنَعَ مُطْلَقًا ,
وَعَنْ مَالِك لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا وَلَوْ
كَانَتْ رَشِيدَة إِلَّا مِنْ الثُّلُث , وَعَنْ اللَّيْث لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا
إِلَّا فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ . وَأَدِلَّة الْجُمْهُور مِنْ الْكُتُب
وَالسُّنَّة كَثِيرَة " انتهى .
وروى البخاري (2592) ومسلم (999) عن مَيْمُونَةَ بِنْت الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً وَلَمْ تَسْتَأْذِنْ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا
فِيهِ قَالَتْ : أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي ؟
قَالَ أَوَفَعَلْتِ ؟ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ : (أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا
أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ) .
قال النووي رحمه الله :
" فِيهِ : جَوَاز تَبَرُّع الْمَرْأَة بِمَالِهَا بِغَيْرِ إِذْن زَوْجهَا " انتهى
.
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" وظاهر كلام الخرقي ، أن للمرأة الرشيدة التصرف في مالها كله ، بالتبرع ،
والمعاوضة .
وهذا إحدى الروايتين عن أحمد ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر .
وعن أحمد رواية أخرى ، ليس لها أن تتصرف في مالها بزيادة على الثلث بغير عوض ، إلا
بإذن زوجها ، وبه قال مالك .
ولنا ، قوله تعالى : ( فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ) .
وهو ظاهر في فك الحجر عنهم ، وإطلاقهم في التصرف ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال ( يا معشر النساء تصدقن ، ولو من حليكن ) رواه البخاري (1466) ومسلم
(1000) وأنهن تصدقن فقبل صدقتهن ولم يسأل ولم يستفصل .
وأتته زينب امرأة عبد الله وامرأة أخرى اسمها زينب فسألته عن الصدقة ، هل يجزيهن أن
يتصدقن على أزواجهن ، وأيتام لهن ؟ فقال : نعم . رواه البخاري (1462) ومسلم (1000)
ولم يذكر لهن هذا الشرط ... ولأن المرأة من أهل التصرف ، ولا حق لزوجها في مالها ،
فلم يملك الحجر عليها في التصرف بجميعه" انتهى .
"المغني" (9 / 399-400) .
ولكن ... إذا غلب على ظن المرأة حدوث مشاكل مع زوجها
إذا هي أنفقت من مالها بغير إذنه ، وخاصة إذا عزمت على التصدق بمال جليل ، فعليها
استئذانه وملاطفته في الأمر وبيان الحكم الشرعي في ذلك ، وأن من حقها التصدق بما
شاءت من مالها ؛ حتى تدوم العشرة الحسنة بين الزوجين .
وقد يتراءى للزوج رأي هو أسد وأفضل من رأي المرأة في ذلك ، فالتشاور في مثل هذا هو
التصرف الأفضل .
وقد روى النسائي (3231) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنها قَالَ : قِيلَ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ ؟
قَالَ : ( الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ ، وَلَا
تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ ) صححه الألباني في "صحيح
النسائي" .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |