عنوان الفتوى : هل يأثم المسلم على بغض والديه القلبي في حال خالفوا الشرع؟
هل إن كان الشخص يكره والده ولا يحبه ، مع حسن معاملته ومحاولة برِّه ، يأثم بهذه المشاعر ، مع العلم أن والده هو من تسبَّب في هذه المشاعر بقسوته وأسلوبه في المعاملة مع الأبناء ؟ .
الحمد لله.
إن الله تعالى أمر الأبناء ببر والديهم والإحسان إليهم ، ونهاهم عن عقوقهم والإساءة إليهم ، وغرس فيهم من المحبة الفطرية ما يعينهم على ذلك البر والإحسان ، وينفرهم من العقوق والعصيان .
فإذا ما قدر أن يقع من الوالدين ، أو أحدهما ، شيء من المعاصي الشرعية التي يطلع عليها الأبناء ، أو تلك التي تكون في حق أبنائهم أصالة ، فينبغي على الابن أن ينظر إليهما بعين الرحمة والشفقة على ما وقعا فيه ، والحرص على هدايتهما ونجاتهما من معصية الله جل جلاله.
فإذا غلب الإنسان ، فوقع في قلبه شيء من الكراهة لهما ، فليجاهد نفسه على ضبط الأمور ، فتكون الكراهة لفعلهما ، وليس لذاتهما ؛ بحيث يكون اجتهاده ورغبته الصادقة في نجاتهما من معصية الله ، ورجوعهما إلى طاعته ، ليزول الداعي إلى تلك الكراهة .
فإذا غلب ـ أيضا ـ على شيء من ذلك ، أو بقي في قلبه من النفرة أو البِغضة ، التي لها سبب ظاهر ، ما لم يجد له دفعا ، فيرجى له ألا يؤاخذ بذلك ، إن شاء الله ، وألا يكون عليه فيه حرج ، لا سيما إذا كان ذلك في حق والد كافر ، أو ظاهر الفسوق والعصيان ، أو مبتدع منافر للسنة وأهلها ، أو نحو ذلك .
غير أن ذلك كله ليس عذراً
يبيح التفريط في برهما ، أو الوقوع في شيء من العقوق الظاهر لهما ، بالقول أو
بالفعل . قال تعالى – في حق الوالدين المسلميْن - : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ
تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ
عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ
تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ
الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )
الإسراء/ 23 ، 24 .
وينظر جواب السؤال رقم ( 122135
) .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
إنني أجد بغضا وكراهية لأبي ؛ وذلك غضباً لله عز وجل ، فإنه ما من بيت من بيوت
الجيران إلا ونظر على شأنهم ، وكم من المشاكل حدثت بسبب هذا الموضوع ، وعلمت حقّاً
بما قاله ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سيأتي زمان على هذه الأمة يذوب فيه قلب
المؤمن كما يذاب الملح في الماء ، وذلك لكثرة ما يجد ولا يقدر أن ينكره ، وإنه يسبب
لي المشقة لعلمي أن معصية الوالدين من الكبائر .
فأجابوا :
عليك بالإحسان إلى والدك وبذل المعروف له وطاعته في غير معصية الله عز وجل ، وحاولي
بذل النصيحة له إن قدرت عليها ولم تخشي مفسدة أعظم .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 25 / 155 ، 156 ) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
أبونا قد هجر أمَّنا ، هو يعاملنا بقسوة ، ولا يعطينا شيئاً ، علماً بأنه يملك
الكثير من الأموال ، مما أحدث في قلوبنا شيء من الكراهية له ، فبماذا توجهونه ؟
مأجورين .
فأجاب :
الواجب عليه : أن ينفق على أبنائه إذا كانوا فقراء ، الواجب عليه : أن ينفق عليهم ،
وأن يعاملهم باللطف والإحسان والخلق الحسن ، والواجب على أولاده أيضاً : أن يعرفوا
قدْره ، وأن يبرُّوه ، وأن يخاطبوه بالتي هي أحسن ، وإذا دعت الحاجة إلى أن يرفعوا
الأمر إلى المحكمة : فلا بأس ، يقولون : والدنا ، ونحن فقراء ولم ينفق علينا ،
يرفعون أمره إلى المحكمة ، وإذا توسط لهم بعض الطيبين من الجيران والأقارب لدى
الوالد حتى ينفق : فهذا أحسن من المحكمة ، أحسن من الخصومة .
وصيتي للأولاد : الرفق ، والبر بالوالد ، والكلام الطيب مع الوالد .
ووصيتي للوالد : أن يتقي الله ، وأن ينفق على أولاده المحتاجين ، وأن لا يحوجهم إلى
الشكوى إلى المحكمة ، أو إلى توسط للناس ، يجب أن يعدل من نفسه ، وأن يعرف ما أوجب
الله عليه ، وأن ينفق عليهم ما داموا فقراء ، وأن يحسن إليهم ، وأن لا يحوجهم إلى
شكوى ولا إلى غيرها ، وعلى الأولاد جميعاً أن يجتهدوا في برِّ والدهم ، والكلام
الطيب معه ، ومخاطبته بالتي هي أحسن ، وإذا دعت الحاجة إلى أن يطلبوا من أعمامهم أو
من بعض جيرانهم أو أصدقاء والدهم أن يتوسطوا لدى والدهم بالإحسان إليهم وإيتاء حقهم
بدلاً من الشكوى : فهذا أطيب ، وأحسن .
" فتاوى نور على الدرب " ( شريط رقم 261 ) .
فالوصية لمن كان هذا حاله :
أن تحتفظ بشعورك تجاه والدك في قلبك ، وأن تجاهد نفسك للتخلص منه ، وأن تصبر على ما
ترى من والدك ، وأن تعينه على طاعة ربه وأن لا يقع في مخالفة شرعية ، ولا تنس أن
برَّه عليك واجب ، وعقوقه محرَّم ، فأحسن إليه ، وادع الله أن يهديه فهذا من حقه
عليك .
وما سبق كله هو في حال أن
يكون الوالد مرتكباً لمعصية بينة ، أو منكر يُغضب الله ، وأما أن يكون ما يصدر من
الأب ضبطاً لأولاده في أفعالهم ، وقسوة في محلها على المخالف : فمثل هذا لا يجوز
معه بغضه البغض القلبي ، ولا ينطبق عليه ما ذكرناه سابقاً ، فليُنتبه لهذا ، فإن
كلامنا في العُصاة الظلمة والقُساة البُغاة ، وليس فيمن يقسو في مكانه ، ويضع حدّاً
لمخالفات أولاده بما يردعهم ويربيهم .
وانظر أجوبة الأسئلة : ( 7722 )
و ( 87802 ) و (
245 ) و (
2621 ) .
والله أعلم