عنوان الفتوى : حكم كتابة معاني غريب القرآن في المصحف الشريف

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

حكم كتابة أو شرح معاني كلمات في صفحات المصحف ؟

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق

الحمد لله

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين :

القول الأول : يجوز كتابة معاني القرآن الكريم وتفسيره في هامش المصحف الشريف .

قال أبو الوليد الباجي رحمه الله :

" فأرادت عائشة أن تثبتها في المصحف – يعني كلمة " وصلاة العصر " في قوله تعالى : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) البقرة/238 - لأنها اعتقدت جواز إثبات غير القرآن مع القرآن ، على ما روي عن أبي بن كعب وغيره من الصحابة أنهم جوزوا إثبات القنوت وبعض التفسير في المصحف ، وإن لم يعتقدوه قرآنا " انتهى باختصار وتصرف يسير.

" المنتقى شرح الموطأ " (1/246)

وروى أشهب عن الإمام مالك قوله :

" لا يزاد في المصاحف ، وأما مصاحف صغارٍ يَتعلم فيها الصبيان وألواحهم فلا بأس بذلك " انتهى .

" المنتقى شرح الموطأ " (1/344)

وقال صاحب كتاب " الكافي " من كتب الحنفية :

" إن كتب القرآن وتفسير كل حرف وترجمته جاز " انتهى.

نقله في " فتح القدير " (1/286)، وأورده أيضا في " رد المحتار " (1/486) ونقل قولا آخر ظاهره يخالفه سيأتي نقله في القول الثاني .

وما زال فقهاء الشافعية وغيرهم يبينون حكم مس المُحدث " المصحف المحشَّى " يعني بالتفسير ، من غير نكير من أحد منهم على هذا الفعل .

انظر: " حاشية البجيرمي " (1/49)

القول الثاني : لا ينبغي كتابة شيء من التفسير داخل المصحف الشريف

وقد وردت آثار عن السلف يدل ظاهرها على كراهة كتابة أي شيء في المصاحف :

عن عطاء رحمه الله :

كان يكره التعشير في المصحف ، وأن يكتب فيه شيء من غيره .

والتعشير وضع حلقة في المصحف عند منتهى كل عشر آيات .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :

أنه رأى خطا في مصحف فحَكَّه وقال : لا تخلطوا فيه غيره .

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :

جَرِّدُوا القرآن ولا تلبسوا به ما ليس منه .

وعن إبراهيم النخعي رحمه الله :

كان يقال جَرِّدُوا القرآن .

رواها ابن أبي شيبة في المصنف (2/328) بسنده .

وجاء في " مصنف ابن أبي شيبة " (7/180) أيضا : " حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر عن عامر قال : كتب رجل مصحفا ، وكتب عند كل آية تفسيرها , فدعا به عمر فقرضه بالمقراضين " .

ولكنه أثر ضعيف ، فيه جابر بن يزيد الجعفي ضعيف ، وفيه انقطاع ؛ لأن عامر بن شراحيل الشعبي لم يسمع من عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

وجاء في كلام بعض المتأخرين من أهل العلم :

قال أبو عبد الله الحليمي من فقهاء الشافعية رحمه الله – في وجوه تعظيم القرآن -:

" ومنها : أن لا يخلط في المصحف ما ليس من القرآن بالقرآن ، كعدد الآيات ، والسجدات ، والعشرات ، والوقوف ، واختلاف القراءات ، ومعاني الآيات " انتهى.

نقله البيهقي في " شعب الإيمان " (3/330)

وقال الجرجاني رحمه الله – من علماء الشافعية - :

" من المذموم كتابة تفسير كلمات القرآن بين أسطره " انتهى

نقلا عن "الإتقان في علوم القرآن" (2/455)

وفي "الدر المختار" (1/486) من كتب الأحناف :

" ويكره كتب تفسيره تحته " انتهى .

علق عليه ابن عابدين رحمه الله بقوله :

" مخالف لما نقلناه عن " الفتح " آنفا , لكن رأيت بخط الشارح في هامش " الخزائن " عن حظر " المجتبى " : ويكره كتب التفسير بالفارسية في المصحف كما يعتاده البعض , ورخص فيه الهندواني ، والظاهر أن الفارسية غير قيد " انتهى.

" رد المحتار " (1/486)

ويقول علماء اللجنة الدائمة :

" الأصل الذي جرى عليه عمل الأمة : هو تجريد كتاب الله تعالى من أي إضافة إليه ، ويبقى تداول المصحف برسمه المتداول بين المسلمين ، دون إضافة أو نقص .

لهذا ننصحك بترك ما ذكر من التحشية على المصحف ، وبوسعك أن تكتب ما تحتاج إليه في أوراق خاصة تشير إلى اسم السورة ورقم الآية ، فتجمع بين المحافظة على كتاب الله تعالى ، وبين تقييد ما يفيدك ويعينك على فهمه .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .

" فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية (3/53،54)

والأظهر في ذلك ، إن شاء الله ، هو القول بالجواز ، وذلك لما يأتي :

عدم قيام الدليل الصحيح الذي ينهى عن كتابة شيء من معاني القرآن الكريم في المصحف الشريف .

فعل بعض الصحابة واشتهارهم بكتابة التفسير في مصاحفهم .

ويظهر أن علة كراهة مَن كره ذلك هي خوف التباس كلام الله تعالى بغيره من الكلام ، ودرء الخطأ بزيادة أو نقصان قد يقعان في المصاحف ، فلما حفظ الناس القرآن وانتشرت المصاحف في أيدي المسلمين ، لم تبق أي حجة للمنع .

قال يحيى بن أبي كثير :

" كان القرآن مجرّدا في المصاحف ، فأوّل ما أحدثوا فيه النّقط على الباء والتّاء والثّاء ، وقالوا : لا بأس به ، هو نور له ، ثمّ أحدثوا نقطا عند منتهى الآي ، ثمّ أحدثوا الفواتح والخواتم " انتهى .

انظر "نقط المصاحف" لأبي عمرو الداني ( 1/2) ، "الإتقان في علوم القرآن" (2/454)

وفي " حاشية ابن عابدين " (6/386) :

" ما روي عن ابن مسعود : " جرِّدوا القرآن " : كان في زمنهم ، وكم من شيء يختلف باختلاف الزمان ، والمكان ، كما بسطه الزيلعي ، وغيره " انتهى.

وقد نص العلماء على جواز تنقيط المصاحف وتشكيلها بالحركات ( الكسرة والضمة والفتحة ونحوها ) وكتابة أسماء السور وعدد الآيات وعلامات الوقف ونحو ذلك ، مما يعين على الفهم والقراءة ، ولم يلتبس بكلام الله تعالى ، وينبغي أن يكون كذلك الحكم أيضا في كتابة التفسير والمعاني في هامش المصاحف في عصرنا هذا ، فإن طباعة المصحف الشريف قد تطورت وتحسنت كثيرا ، بحيث يبعد أن يختلط كلام الله تعالى بغيره من كلام البشر .

كما أن هناك من المصاحف ما طبع التفسير بهامشها طباعة حديثة واضحة ، وقد تحققت بذلك فوائد عديدة , وتيسَّر العلم بالتفسير على كثير من الناس ، وخاصة في المصاحف التي ترجمت معاني الآيات فيها إلى اللغات المختلفة .

ويَقْوَى الحكم بالجواز وعدم الكراهة في حالة وجود حاجة التعلم ، فإذا كان طالب العلم يستفيد من وضعه معاني الكلمات وبعض القراءات في هامش المصحف فلا حرج عليه إن شاء الله .

والله أعلم .

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...