عنوان الفتوى : هل نُسخت الآية التي فيها جواز ضرب الزوجة ضربا خفيفا عند الحاجة ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

سمعت من بعض العلماء بأن الآية الرابعة والثلاثين من سورة النساء ، التي تجيز للزوج أن يقوم بضرب زوجته برفق ، قد تم نسخها بأول عشرين آية من سورة النور ، التي تتحدث عن اللعان ، فهل بوسعكم رجاء إخبارنا عن مدى صحة هذا القول ، وسأكون شاكرا للغاية إذا قمتم بتقديم أدلة .

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
الآية المقصودة في السؤال هي قوله تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء/34 .
وليست هذه الآية بمنسوخة ، بل هي آية مُحكَمة ، حُكمُها نافذٌ ثابتٌ إلى يوم القيامة ، والدليل على ذلك أمور :
1- أن الأصل في الآيات والأحاديث هو ثبوت العمل بها وعدم القول بنسخها حتى يرد الدليل الصحيح على أنها منسوخة .
قال الآمدي رحمه الله : "الأصل عدم النسخ" انتهى .
" الإحكام " (4/281).
2- أن الآيات التي وصفت في السؤال بأنها ناسخة وهي الآيات في أول سورة النور لا علاقة لها بمضمون آية سورة النساء هذه ، فآيات سورة النور تتضمن بيان حد الزاني والزانية ، وبيان حكم الملاعنة ، وهذه الأحكام لا تستوجب القول بنسخ آية سورة النساء ، لأن النشوز الوارد فيها إنما هو الارتفاع على طاعة الزوج ، وعصيانه .
قال العلامة السعدي رحمه الله :
"(وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) أي : ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن ، بأن تعصيه بالقول أو الفعل ، فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل" انتهى من "تيسير الكريم الرحمن" (177) .
3- الضرب الوارد في آية سورة النساء جاءت السنة النبوية بتقريره وبيانه ، وأن المقصود منه : الضرب اليسير.
فقال صلى الله عليه وسلم : (وَلَكُم عَلَيْهنَّ أَلاَّ يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَداً تَكْرَهونَهُ ، فَإنْ فَعَلْنَ ذلك فاضْرِبُوهنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّح) رواه مسلم (1218) .
وقد سبق نقل الأحاديث التي تشهد للآية وتشرح المقصود منها ، وذلك في جواب السؤال رقم : (2076) ، (41199) .
4- وأخيرا ، لم نجد – بعد البحث – أحدا من العلماء قال بأن تلك الآية منسوخة ، وهذا كافٍ في الدلالة على خطأ القول بالنسخ ، لأن الأمة لا تجتمع على السكوت عن حق في تفسير كتاب الله عز وجل .
وينبغي التنبيه هنا إلى أنه لا يفهم من الآية ولا من الحديث أن ضرب الزوجات مستحب في شريعتنا ، بل الأفضل عدم استعمال الضرب ، والبحث في وسائل أخرى لعلاج نشوز الزوجة ، واستعمال الضرب له ضوابط وشروط سبق بيانها في الأجوبة المنقولة سابقا .
قال ابن العربي رحمه الله :
"قال عطاء : لا يضربها وإن أمرها ونهاها فلم تطعه ، ولكن يغضب عليها . قال القاضي : هذا من فقه عطاء ، فإنه من فهمه بالشريعة ووقوفه على مظان الاجتهاد علم أن الأمر بالضرب هاهنا أمر إباحة ، ووقف على الكراهية من طريق أخرى في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زمعة : (إني لأكره للرجل يضرب أمته عند غضبه ، ولعله أن يضاجعها من يومه) - روى البخاري معناه (5204) -
فأباح وندب إلى الترك ، وإن في الهجر لغاية الأدب .
والذي عندي : أن الرجال والنساء لا يستوون في ذلك ؛ فإن العبد يقرع بالعصا ، والحر تكفيه الإشارة ؛ ومن النساء - بل من الرجال - من لا يقيمه إلا الأدب ، فإذا علم ذلك الرجل فله أن يؤدب ، وإن ترك فهو أفضل" انتهى .
"أحكام القرآن" (1/441) .
والله أعلم .