عنوان الفتوى : زوجها تركها هي وابنتها عند أهله ، فماذا تفعل ؟

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

تزوجت من رجل من أصول غير أصولي ، لذلك كان والدي غير موافق على هذا الزواج في البداية ، ولكنه بعد ذلك غيّر رأيه. وقد اعتاد والدي على أن يدللني ، عندما كنت في بيته ، ولكن الأمر الآن اختلف ، عندما صرت في بيت زوجي ، وفي بلد آخر غير الذي هم فيه . أصبحت عائلتي كلها سعيدة بهذا الزواج ، ومما زاد سعادتهم أنه أصبح لدي بنت . بالنسبة لزوجي فإنه أظهر لي حباً منقطع النظير في الستة الأشهر الأولى ، ثم بعد أن حملت وأصبحت في الشهر الرابع تركني في بيت أسرته وذهب إلى زوجته الثانية ، ولديه منها ولدان ، ولم يعد يزورني نهائياً، إلا ما كان من زيارة في كل ثلاثة أسابيع لرؤية ابنته. ولكن أحمد الله أن والدته وأخواته وإخوته طيبون جداً تجاهي ؛ إنهم يحاولون جاهدين أن يغطوا الفراغ الذي تركه ، ويحسنون معاملتي إلى أقصى حد. ولكن مع هذا فأنا أعيش بين نارين، نار الفراق ونار تورية الحقيقة عن أسرتي في الوطن الذين كلما اتصلوا بي أقوم بالتظاهر بأنني سعيدة مع زوجي ، وأنني في أحسن حال . إنني أخشى إن طلبت الطلاق أن أعود إلى بيت والدي فأضطر للعيش في الجو المتوتر الذي كنت فيه قبل الزواج ، كما أن ذلك قد يسيء إلى سمعة الأسرة ككل .. في الوقت ذاته أنا أعاني من الحرمان من قِبل زوجي ، فقد مضى ما يقارب السنة إلى الآن ، ولم يطأ فراشي على الإطلاق ، وهذا جانب مهم بالنسبة لشابة في مثل سني. لا أنكر أن أسرته ترعاني وتعتني بي وبابنتي على أكمل وجه ، ولكني أريد زوجاً أسكن إليه، لا أريد حياة العزوبية هذه ؛ فما العمل ؟ أريد أن أؤكد أنني لا أريد الطلاق والتخلي عن ابنتي والزواج من رجل أخر. لقد تهت في بيداء المعاصي كثيراً ثم ظفرت بهذا الزوج وأريد أن أبقى معه حتى لو لم يكن طيباً نحوي. ربما تكون مشكلتي أنني أحبه ولكن لا أدري ما هو العمل... هل اطلب الطلاق وأجازف بعلاقتي مع كل من حولي؟ أم أتصبر على هذا الوضع ( لا أنا في حكم المتزوجة ولا المطلقة ) إلى أن يأتيني الموت؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله

ليس من شك في أن تفهم كل من الزوجين لطبيعة الآخر ، وخلفيته الثقافية والاجتماعية ، هو من الأمور المهمة في نجاح الزواج ، ودوام العشرة بينهما ، وهذا كله بالطبع بعد أن يكون الدين هو الأساس الأول في الاختيار والقبول ، ومن الأمور المساعدة على تقارب وجهات النظر ، وسهولة التفاهم في الحياة : أن يكون الزوجان من جنسية واحدة ، ولغة واحدة ، بل ومن إقليم واحد في نفس البلد ، متى كان ذلك ممكنا .

وليس معنى ذلك أن كل زواج اختلت فيه شروط التوافق في الجنسية واللغة ، والخلفيات الثقافية والاجتماعية مقضي عليه بالفشل ؛ لا ، بل هناك زواجات كثيرة كتب لها النجاح ، مع اختلاف ذلك كله ؛ لكننا أردنا بذلك التنبيه على أن ممانعة ولي المرأة لدخول موليته ، بنته أو غيرها ، في زواج من هذا النوع ليس تعنتا محضا ، وليس انغلاقا في التفكير ، بل هو بعد نظر ، تؤيده كثير من التجارب الواقعية !!

على أية حال ؛ فالذي نراه لك أن تحاولي أنت الاتصال بزوجك ، ومعرفة ما الذي غيره من ناحيتك ، ولماذا هجر فراشك هكذا ؛ فإن بدا لك أن عاتب عليك في شيء ما ، فاجتهدي أن تزيلي ما يصرفه عنك ، ويزهده فيك ، قدر استطاعتك .

فإن لم تفد هذه المحاولة ، فحاولي أن توسطي بينكما بعد الثقات ، من أهل النصيحة والأمانة والديانة ، سواء كان صديقا ، أو قريبا ، أو إماما للمسجد ، أو مديرا للمركز الإسلامي ، أو نحو ذلك ، ونرجو ألا تعدمي حولك من الناصحين من يشاركونك معاناتك ، ويجتهدوا في أن يعرفوا زوجك تقصيره في حقك ، وأنه لا يحل له أن يهجرك كل هذه المدة ، وأن أهم أسس الحياة الزوجية : المودة والسكن ، والعشرة بالمعروف .

وينبغي أن تستغلي علاقتك الطيبة بأهل زوجك ، فنحن نعتقد أن هذا ـ بعد عون الله لك ، وفضله عليك ـ من أقوى أسلحتك ، وأفضل أوراقك في مواجهة هذه المحنة ، لكي يتدخلوا بجد للإصلاح بينكما ، والمحافظة على بيت ابنهم وأسرته ، والضغط عليه بكل سبيل لإصلاح الخلل القائم في حياته الزوجية .

فإذا لم تفلح هذه المحاولات مع زوجك ، فعرفي أهلك بواقع أمرك ، ولا شك أن ذلك سوف يؤلمهم كثيرا ، وسوف ينغص عليهم عيشهم ، لكن سوف يؤلمهم أكثر أن يفاجئوا بك عندهم وقد فقدت زوجك ، من غير مقدمات يعرفونها ، وصرت عندهم مطلقة .

فإن أمكن لأهلك أن يجدوا سبيلا للإصلاح ، وأن يتعاونوا مع أهل زوجك في تجاوز هذه المحنة ، فبها ونعمت ، والحمد لله ، وإن لم تفد هذه السبيل أيضا ، فأنت أبصر بشأنك ، فإن شق عليك أن تصبري على هذه الحال ، وهو الأمر المتوقع من شابة صغيرة السن مثلك ، لم تأخذ حظها من الحياة الزوجية المستقيمة ، فلك أن تسعي في فراق زوجك ؛ إما بطلب الطلاق ، أو الخلع منه ؛ ولعل الله أن يعوضك خيرا منه ، وأن ييسر لك سبل الهدى والتقى ، والعفاف والغنى ؛ وقد قال الله عز وجل ، في شأن الزوجين اللذين تصعب العشرة بينهما ، ولا يمكنهما الاستمرار في الحياة الزوجية : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً ) النساء/130 .

وما دمت لا تريدين الطلاق ، وهذا أمر محمود لك ، ولا ترغبين في البحث عن زواج آخر ، فلا تيأسي من تكرار محاولات الإصلاح ، وربما تهتدين إلى وسائل أخرى لاستعادة زوجك الشارد ، من تواصل معه ، وتحبب إليه ، ومخاطبة لقلبه وعواطفه الزوجية تجاهك ، والأبوية تجاه ابنته ؛ واصبري ؛ إن الله مع الصابرين .

روى البخاري (1376) ومسلم (1745) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ... وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ؛ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ ) .

نسأل الله أن ييسر لك أمرك ، ويكشف همك وغمك ، ويصلح لك زوجك .

والله أعلم .

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...