عنوان الفتوى : فوائد التوكل على الله ودعائه
أنا فتاة عمري 21، ظللت أدعو الله أن يرزقني زوجا صالحا فترة، لكن مع الأسف كنت أعمل بعض المعاصي التي تمنع استجابة الدعاء، والآن قررت أن أتوب إلى الله عز وجل توبة نصوحا، وفعلا تبت وأحاول جاهدة أن أكفر ذنوبي بالإكثار من الطاعات والاستغفار، وعلمت كذلك أن من أسباب الاستجابة التوكل على الله والثقة به وحسن الظن به سبحانه، فمن يتوكل على الله فهو حسبه، وفعلا توكلت على الله، ولكن مع الأسف منذ أن بدأت هذه الأمور لم أشعر بالراحة والطمأنينة كما هو متوقع من العبد التائب، بل أحيانا تأتيني شكوك فأقول في نفسي هل من الممكن آن يستجيب الله لدعائي، وهل من المعقول إن توكلت على الله سبحانه أن يرزقني حقا بزوج، فأنا والله متضايقة من هذه الشكوك، ولا أعرف ما سببها، هل هي وساوس من الشيطان الرجيم؟ أم أن نفسي خبيثة وأمارة بالسوء؟ والله غير راض عني. وهل سبب ذلك أن توبتي لم تكن خالصة لوجه الله سبحانه مع العلم أني ناوية أن أستمر على التوبة حتى بعد الزواج. أرجوكم أفيدوني فأنا حزينة ومتضايقة جدا لأني سعيدة بتوبتي، ولا أريد أن أترك الطاعة وأرجع إلى المعصية.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالتوبة الصحيحة تمحو ما قبلها والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على عدم العود إليه، وإذا كان الذنب يتعلق بحق آدمي فيشترط رد الحق له أو استحلاله منه ، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 5646.
فإذا كنت قد تبت إلى الله فأبشري خيرا –بإذن الله- واحذري من وساوس الشيطان ومكائده ولا تيأسي واجتهدي في الدعاء ولا تستعجلي الإجابة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي. (متفق عليه)
واعلمي أن التوكل على الله من أعظم العبادات ومن أنفع الأسباب وهو ينبع من الثقة بالله ، والثقة بالله تنبع من التعرف على الله ، فمن عرف الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله فسوف يفضي ذلك لا محالة إلى محبته وتعظيمه والثقة به.
قال المقدسي: " فالتوكل عبارة عن اعتماد القلب على الموكل، ولا يتوكل الإنسان على غيره إلا إذا اعتقد فيه أشياء : الشفقة، والقوة، والهداية . فإذا عرفت هذا، فقس عليه التوكل على الله سبحانه، وإذا ثبت في نفسك أنه لا فاعل سواه واعتقدت مع ذلك أنه تام العلم والقدرة والرحمة، وأنه ليس وراء قدرته قدرة، ولا وراء علمه علم، ولا وراء رحمته رحمة، اتكل قلبك عليه وحده لا محالة، ولم يلتفت إلى غيره بوجه ، فإن كنت لا تجد هذه الحالة من نفسك فسببه أحد أمرين : إما ضعف اليقين بأحد هذه الخصال : وإما ضعف القلب باستيلاء الجبن عليه ، وانزعاجه بسبب الأوهام الغالبة علية " مختصر منهاج القاصدين للمقدسي.
وننبهك إلى أنّ الدعاء نافع للعبد بكل حال، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاث:ٍ إِمَّا أنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أنْ يَصْرِف عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا" قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ :" اللَّهُ أكْثَرُ. رواه أحمد
والله أعلم.