عنوان الفتوى : متى تقوم شهادة امرأتين مقام شهادة رجل ؟ وما الفرق بين الشهادة والرواية ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل تساوي شهادة المرأتين شهادة الرجل الواحد في كل الأحوال ؟ وإذا كانت كذلك : فكيف سيعاقب المجرم إذا كان الشاهد على الجريمة امرأة واحدة أو أربع شاهدات على الزنا ؟ . وماذا عن السيدة عائشة رضي الله عنها والتي روت الكثير من الأحاديث على عهدتها دون التثبت من أي راو آخر (على سبيل المثال : كثير من الأحاديث المتعلقة بالعلاقات الزوجية) . شكراً ، وجزاكم الله خيراً على جهادكم في سبيله ، آمين .

مدة قراءة الإجابة : 17 دقائق

الحمد لله.

أولاً :

أ. قصر جمهور الفقهاء قبول المرأتين بدلاً من رجل على الشهادة على ما هو مال أو بمعنى المال ، كالبيع ، والإقالة ، والحوالة ، والضمان ، والحقوق المالية ، كاشتراط الخيار في البيع أو الأجل ... ونحو ذلك .

ب. وأضاف إليه الحنفية : شهادتهما على النكاح والطلاق والنسب .

قال ابن حجر رحمه الله تعالى :

وقول الله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) قال ابن المنذر : أجمع العلماء على القول بظاهر هذه الآية ، فأجازوا شهادة النساء مع الرجال ، وخص الجمهور ذلك بالديون والأموال ، وقالوا : لا تجوز شهادتهن في الحدود والقصاص ، واختلفوا في النكاح والطلاق والنسب والولاء فمنعها الجمهور ، وأجازها الكوفيون" انتهى .

" فتح الباري " ( 5 / 266 ) .

مع التنبيه على أن مذهب الحنفية ورواية عن أحمد أن لا تكون الشهادة كلها من نساء ، بل يشترطون وجود رجل فيها .

قال ابن قدامة رحمه الله :

وعن أحمد أنه قال : " إذا تزوج بشهادة نسوة : لم يجز ، وإن كان معهن رجل : فهو أهون " ، فيحتمل أن هذا رواية أخرى في انعقاده بذلك ، وهو قول أصحاب الرأي ، ويروى عن الشعبي ؛ لأنه عقد معاوضة ، فانعقد بشهادتهن مع الرجال كالبيع .

" المغني " ( 7 / 337 ) .

وفي " الموسوعة الفقهية " ( 26 / 227 ) :

وقال الحنفية : ما يقبل فيه شاهدان ، أو شاهد وامرأتان : هو ما سوى الحدود والقصاص سواء أكان الحق مالا أم غير مال ، كالنكاح والطلاق والعتاق والوكالة والوصاية . انتهى

ج. وأكثر أئمة العلم – ومنهم الأئمة الأربعة – على عدم قبول شهادة النساء في الحدود ، فلا تقوم المرأتين مقام الرجل ، وخالف فيه الظاهرية ، فقالوا : إن شهادة المرأتين تقوم مقام شهادة الرجل في كل شيء ، واختار هذا القول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله .

وانظر : "المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد السعدي" ( 4 / 188 ، 189 ) .

جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 24 / 37 ) :

ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ) إلى اشتراط الذكورة في شهود الزنى ، فلا بد أن يكونوا رجالا كلهم ، للنصوص السابقة .

ولا تقبل شهادة النساء في الزنى بحال ؛ لأن لفظ الأربعة اسم لعدد المذكورين ، ويقتضي أن يكتفي به بأربعة ، ولا خلاف في أن الأربعة إذا كان بعضهم نساء لا يكتفى بهم ، وأن أقل ما يجزئ خمسة ، وهذا خلاف النص : ( أَنْ تَضِل إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأْخْرَى ) البقرة/ 282 ، والحدود تدرأ بالشبهات .

وقال ابن عابدين : لا مدخل لشهادة النساء في الحدود . انتهى

واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : أن المرأتين تقومان مقام الرجل في كل شيء إلا في الحدود ، وهو مذهب الحنفية ، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها بعض أصحابه .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

"وقال بعض أهل العلم : بل إن المرأتين تقومان مقام الرجل إلا في الحدود ؛ من أجل الاحتياط لها ، واستدل هؤلاء بعموم قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم : (أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ) - متفق عليه - وأطلق ولم يفصل ، ثم إن الله تعالى ذكر العلة في اشتراط العدد في النساء ، وهي : أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ، ولم يذكر أن العلة المال ، بل العلة : أن تقوَى المرأة بالمرأة فتذكِّرَها إذا نسيت ، وهذا يكون في الشهادة في الأموال وفي غير الأموال ، إلا ما سُلِكَ فيه طريق الاحتياط ، ويكون كذلك في المرأة معها رجل أو ليس معها رجل ، وهذا القول هو الراجح ، فالقول الصحيح : أن المرأتين تقومان مقام الرجل مطلقاً ، إلا في الحدود ؛ للاحتياط لها ؛ لقوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) النور/ 4 ، فهو نص صريح في وجوب الذكورية" انتهى .

"الشرح الممتع على زاد المستقنع" ( 15 / 453 ) .

وانظر جوابي السؤالين : ( 114877 ) و ( 20051 ) .

ثانياً:

أما قول الأخ السائل " فكيف سيعاقب المجرم إذا كان الشاهد على الجريمة امرأة واحدة أو أربع شاهدات على الزنا ؟ " : فالجواب عليه : أن هذا مثل : إذا شهد رجل واحد على آخر بالقتل ، ومثل : شهادة ثلاثة رجال على آخر بالزنى ، فكيف سنعاقب المشهود عليهم ؟ بل في الحالة الثانية نعاقب الشهود الثلاثة بحد القذف ، فما دام العدد المطلوب في الشهادة لم يتم فلا تثبت الجريمة على المتهم ، فلا عقاب عليه ، والإسلام ليس متشوقاً إلى عقاب الناس وقتلهم ، ومن القواعد المتفق عليها بين أهل العلم "أن الحدود تدرأ بالشبهات" ، فلا يحتاط بإقامة الحد ، بل يحتاط بعدم إقامته .

ويكفي وجود العقوبة وتنفيذها في بعض الحالات الضيقة حتى تردع العصاة .

ثالثاً :

قول الأخ السائل " وماذا عن السيدة عائشة رضي الله عنها والتي روت الكثير من الأحاديث على عهدتها دون التثبت من أي راو آخر " : فهناك فرق بين الرواية والشهادة.

قال الإمام الشافعي رحمه الله :

قد يخالف الشهادات في أشياء ويجامعها في غيرها .

قلت : وأين يخالفها ؟ .

قلت : أقبل في الحديث : الواحد ، والمرأة ، ولا أقبل واحداً منهما وحده في الشهادة ، وأقبل في الحديث : حدثني فلان عن فلان إذا لم يكن مدلِّسا ، ولا أقبل في الشهادة إلا : سمعت ، أو رأيت أو أشهدني .

" الرسالة " ( ص 372 ، 373 ) .

وقال الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله :

"إن عماد الرواية الصدق ومعقول أن يشدد فيها فيما يتعلق به ما لم يشدد في الشهادة وقد خفف في الرواية في غير ذلك ما لم يخفف في الشهادة ، تقوم الحجة بخبر الثقة ولو واحداً أو عبداً أو امرأةً" انتهى .

" التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل " ( 1 / 218 ) .

بل ذكر السيوطي رحمه الله أكثر من عشرين فرقاً بين الشهادة والرواية .

ومما قاله رحمه الله :

وأما الأحكام التي يفترقان فيها – ( أي : الشهادة والرواية ) - فكثيرة ، لم أر من تعرض لجمعها ، وأنا أذكر منها ما تيسر :

الأول : العدد ، لا يشترط في الرواية بخلاف الشهادة ، وقذ ذكر ابن عبد السلام في مناسبة ذلك أموراً ، أحدها : أن الغالب من المسلمين مهابة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف شهادة الزور ، الثاني : أنه قد ينفرد بالحديث راو واحد فلو لم يقبل لفات على أهل الإسلام تلك المصلحة بخلاف فوت حق واحد على شخص واحد ، الثالث : أن بين كثير من المسلمين عداوات تحملهم على شهادة الزور بخلاف الرواية عنه صلى الله عليه وسلم .

الثاني : لا تشترط الذكورية فيها مطلقاً ، بخلاف الشهادة في بعض المواضع .

الثالث : لا تشترط الحرية فيها ، بخلاف الشهادة مطلقاً ... إلخ .

" تدريب الراوي " ( 1 / 332 ) .

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء سؤالاً مطابقاً لسؤالك ، فننقل السؤال والجواب لفائدته .

السؤال :

لماذا نسلِّم بقبول رواية امرأة واحدة للحديث مع أننا في الشهادة في الحالات العادية نطبق قول الله عز وجل : (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) البقرة/282 ، وفي علم الحديث يُطلب التثبت أكثر ، وخاصة أن هناك أحاديث كثيرة جدّاً في الصحيحين عن عائشة ، فهل يعتمد مثلا قول ابن حجر في تجريح رجل ولا يؤخذ قول الله عز وجل : (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا) .

نسأل الله عز وجل أن يوفقكم في الرد الشافي على هذا الموضوع الذي يراودني دائما ولا أحدث به أحداً ؟ .

فأجابوا :

"أولاً : الصحيح أنه لا يشترط في قبول الرواية العدد ، بل يكفي في أداء الحديث وقبوله : واحد ، سواء كان رجلاً أو امرأة ، إذا كان عدلاً ضابطاً مع اتصال السند وعدم الشذوذ والعلة القادحة ؛ لاكتفاء النبي صلى الله عليه وسلم في البلاغ بإرسال واحد كمعاذ بن جبل إلى اليمن ، ودحية الكلبي بكتابه إلى هرقل ، ونحو ذلك ، وكعلي بن أبي طالب إلى مكة في السنة التاسعة من الهجرة لينادي الناس في موسم الحج ألا يحج بعد العام مشرك وألا يطوف بالبيت عريان ، وأما النساء : فقد أمر الله تعالى نساءَ النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلِّغن ما يُتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة ، فقال تعالى : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) الأحزاب/ 34 ، ولولا قبول روايتهن للقرآن والسنَّة لما أمرهن بالبلاغ ، وقد كانت إحداهن تشترك أحياناً مع أخرى في البلاغ ، وتنفرد به أحياناً ، كما هو واضح لمن تتبع الروايات عنهن ، ولم يُنكِر ذلك أحدٌ عليهن ، ولا على من أخذ عنهن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا في عهد أصحابه رضي الله عنهم ، فكان قبول الرواية عنهن وعن إحداهن ثابتاً بالكتاب وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع صحابته رضي الله عنهم ، واستمر على ذلك العمل في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير وفيما بعدها ، بل أجمع الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم على قبول رواية المرأة مطلقاً ، منفردة ، ومشتركة مع غيرها كالرجل ، إذا توفر فيها شروط القبول .

ثانياً : ليست الشهادة والرواية على حدٍّ سواء من كل وجه ، بل تفترقان في أمور منها : أن الرواية إخبار عن أمر عام للراوي وغيره لا ترافع فيه إلى الحكام ، بخلاف الشهادة فإنها في قضايا عينية تخص المشهود عليه وله ، يترافع في مثلها إلى الحكام غالباً .

ومنها : أن الرواية لا يشترط في قبولها العدد كما تقدم ، بخلاف الشهادة فقد يشترط فيها أربعة من الرجال كما في حد الزنا والقذف ، وقد يشترط رجلان كما في القتل عمداً ، وقد يكتفى برجل وامرأتين كما في الحقوق المالية ، وقد يُكتفى بامرأة واحدة ، كقول المرضعة في ثبوت الرضاع .

ومنها : أن الشهادة لكونها خاصة بالمشهود عليه والمشهود له لا تتعداهما إلا بالتبعية المحضة ردت بالقرابة والعداوة وتطرق التهم ، بخلاف الرواية فإنها يكفي فيها ما يغلب على الظن صدق المخبر من العدالة والضبط ، سواء كان الراوي رجلاً أم امرأة ، واحداً أم أكثر .

ومنها : أن بين كثير من المسلمين عداوة قد تحمله على شهادة الزور ، بخلاف الرواية عنه صلى الله عليه وسلم .

قال ابن القيم في الجزء الأول من " بدائع الفوائد " :

الفرق بين الشهادة والرواية : أن الرواية يعم حكمها الراوي وغيره على ممر الزمان ، والشهادة تخص المشهود عليه وله ولا تتعداهما إلا بطريق التبعية المحضة ، فإلزام المعين يتوقع منه العداوة وحق المنفعة والتهمة الموجبة للرد ، فاحتيط لها بالعدد والذكورية ، وردت بالقرابة والعداوة وتطرق التهم ، ولم يُفعل مثل هذا في الرواية التي يعم حكمها ولا يخص ، فلم يشترط فيها عدد ولا ذكورية ، بل اشترط فيها ما يكون مغلبا على الظن صدق المخبر ، وهو العدالة المانعة من الكذب ، واليقظة المانعة من غلبة السهو والتخليط ، ولما كان النساء ناقصات عقل ودين : لم يكنَّ من أهل الشهادة ، فإذا دعت الحاجة إلى ذلك : قويت المرأة بمثلها ؛ لأنه حينئذ أبعد من سهوها وغلطها لتذكير صاحبتها لها . اهـ .

ثالثاً : الذين قاموا بنقد رواة أحاديث دواوين السنة ودواوين السيرة والتاريخ تعديلاً وجرحاً جماعة من أئمة الحديث معروفون ، لهم بصيرة ثاقبة في ذلك ، عاصروا من نقدوهم وحكموا فيهم بما عرفوا عنهم ، ولم يفرقوا في منهج نقدهم بين رجل وامرأة ، بل هما سواء لديهم في الجرح والتعديل ، أما من جاء بعدهم ممن لم يعاصر أولئك الرواة كابن حجر العسقلاني رحمه الله : فإن شأنه مع أولئك الرواة نقل أقوال من عاصرهم من الأئمة فيهم ، ومناقشة سندها إليهم ، والترجيح بينها إذا تعارضت ، ونحو ذلك ، تعديلهم أو تجريحهم ؛ لعدم معاصرته إياهم" انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 4 / 360 – 364 ) .

والله أعلم