عنوان الفتوى : نصائح لمن أراد أن يتعلم تفسير القرآن الكريم
هل قوله تعالى للملائكة في قصة آدم: وما كنتم تكتمون ـ يؤذن بأن ما كان من الملائكة مجرد خواطر أبانها الله سبحانه وكشف عنها، وأن المحاورة إجمال بيان عن طبيعة الإنسان وما دار في خاطر الملائكة عليهم السلام؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإننا نرحب بالأخ السائل في موقعنا، ونسعد بتواصله معنا ونرحب بأسئلته الهادفة، ونهنئه على الاهتمام بالقرآن وتفسيره ونود أن ننبهه إلى بعض الأمور:
1- على المسلم أن يطلب العلم النافع الذي يمكنه من عبادة الله على الوجه الذي يرضي الله تعالى عنه، فعلينا أن نتعلم العلم الشرعي الذي نحتاج إليه، وأن نعمل به وندعو إليه كما كان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يسألون النبي صلى الله عليه وسلم ويطلبون منه أن يعلمهم ليعملوا ويعلموا غيرهم، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا هذا الحي من ربيعة وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر فلا نخلص إليك إلا في شهر الحرام فمرنا بأمر نعمل به وندعو إليه من وراءنا.
2- أهم ما يتعين أن يدرس في ذلك هو القرآن وما يعين على تدبره والتفهم لمعانيه والتفقه فيه، وكتب التفسير طافحة ببيان ذلك فينبغي أن يختار منها بعض التفاسير المعتمدة، وعليه أن يهتم بعلوم الأقدمين وتفاسيرهم والكتب التفسيرية التي تعتني بالمأثور عنهم فتنقل ما أثر عن السلف من التفسير، فقد قال شيخ الإسلام في بيان فضل علم السلف الأول: ولهذا كان معرفة أقوالهم في العلم والدين وأعمالهم خيراً وأنفع من معرفة أقوال المتأخرين وأعمالهم في جميع علوم الدين وأعماله ـ كالتفسير وأصول الدين وفروعه والزهد والعبادة والأخلاق والجهاد وغير ذلك ـ فإنهم أفضل ممن بعدهم كما دل عليه الكتاب والسنة، فالاقتداء بهم خير من الاقتداء بمن بعدهم، ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم.
انتهى.
3- على المسلم في بداية الطلب أن يتعرف على الحق والتفسير الصحيح أولاً ولا يشغل نفسه بالبحث عن الشبه والأقوال الضعيفة لما يخشى عليه من التأثر بها، وعليه أن يعتصم بمنهج أهل السنة والجماعة في الاعتقاد والعمل، وأن يحذر من الاطلاع على مقالات المخالفين لأهل السنة ومن استماع شبههم، فإن السلامة لا يعدلها شيء، قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: وقال لي شيخ الإسلام ـ رضي الله عنه، وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيراد - لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها، ولكن أجعله كالزجاجة المصمة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات - أو كما قال - فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك، وإنما سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم لباطل.
انتهى.
4- واعلم أن أهل العلم ذكروا أن الأصل حمل القرآن على الحقيقة، لأنها الأصل ما لم يترجح المجاز بشهرة، أو غيرها، وبناء عليه، فلا يحمل اللفظ القرآني على التمثيل والرمز إلا بدليل قرينة تصرفه إلى المجاز، ولا قرينة هنا تصرف الكلام عن ظاهره، قال السبكي في الأشباه والنظائر: حمل اللفظ على ما يتبادر إلى الذهن أولى ومن ثم يحمل على الحقيقة ما لم يترجح المجاز بشهرة، أو غيرها.
انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين: لو تأمل المتكلم الكلام وأعطاه حقه من التأمل لعلم أن القرآن المبين ليس فيه شيء تكون معانيه رمزية، فإن الرموز مخالفة لبيان القرآن الكريم، بعيدة عن دلالاته كيف وقد قال الله عنه: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى.
وقال تعالى: كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.
وقال في وصفه: حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.
وقال تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ.
فكيف يكون هذا القرآن العظيم الذي نزل تبيانا لكل شيء، وفصلت آياته، ووصفه من أنزله بأنه مبين، وأنه جعله قرآنا عربيا من أجل عقله وفهمه، إلى أن قال ـ رحمه الله: إذا كنا نمنع منعا باتا الدلالات الرمزية في الأحكام التكليفية التي متعلقها أعمال العباد التي قد يسوغ الاجتهاد في بعضها حسبما تقتضيه الشريعة فكيف نسوغ لأنفسنا أن نعمل بالدلالات الرمزية في الأخبار المحضة التي لا مجال للرأي فيها بوجه من الوجوه؟ إننا لو سوغنا ذلك لأنفسنا لتلاعب الناس في كلام الله وكلام رسوله وصار كل واحد من الناس، أو كل طائفة من الناس تدعي أن هذه الآية، أو هذا الحديث رمز لكذا وكذا، فتبطل الشريعة بهذا المعيار عقيدة ومنهجاً.
انتهى من مجموع فتاوى ورسائل العثيمين.
وبناء عليه، فإننا ننصح الأخ السائل بالحرص على مواصلة التعلم والمطالعة لكتب التفسير المعتمدة، ومن أهم ما ننصح به من التفاسير:
تفسير القرآن العظيم: لمؤلفه الحافظ ابن كثير.
وتفسير الجلالين: لمؤلفيه السيوطي والمحلي.
وفتح القدير: لمؤلفه محمد بن علي الشوكاني.
ومن الكتب المعاصرة: تفسير الشيخ السعدي.
وتفسير أضواء البيان: للشيخ محمد الأمين الشنقيطي.
وأيسر التفاسير: للشيخ أبي بكر جابر الجزائري.
وزبدة التفسير: للشيخ الأشقر.
ونعتذر للأخ السائل عن الإجابة عن كل سؤال من أسئلته استقلالاً، لأننا رأينا أن لا فائدة كبيرة تعود من وراء ذلك مع وجود كثرة وفيرة من أسئلة المستفتين الذين يسألون عن مسائل يحتاجون إلى أجوبة عاجلة عنها، لأنها في عباداتهم ومعاملاتهم ونحو ذلك، وفي تتبع أسئلة الأخ السائل تأخير لإجابتهم فنتمنى من الأخ الكريم أن يفسح المجال لإخوانه ليسألوا عما يحتاجونه، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.