عنوان الفتوى : هل يكون مع المؤمن في الجنة أولاده وممتلكاته التي كانت له في الدنيا ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل كل ما يملكه الشخص من أشياء هنا في الدنيا ، كأولاد وممتلكات ، ستكون معه هناك في الجنة ؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله.

أولا :

أفادت النصوص الشرعية ، من الكتاب والسنة ، أن أهل الجنة لهم فيها ما يشاءون مما يشتهون ، لا يطلبون شيئا إلا وجدوه ، ولا يريدون حاجة إلا نالوها ، وهم مع ذلك لا يكدر نعيمهم ، ولا ينغص عليهم بانقطاع أو زوال أو نقصان أو عيب .

ومن ذلك أهله وذريته - إن كانوا صالحين – فإن الله يلحقهم به ، وإن كانوا دونه في العمل ، لتقر بهم عينه ، منة منه وفضلا – سبحانه - .

قال الله عز وجل : ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ *  نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) فصلت/31-32.

وقال سبحانه : ( يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) الزخرف/71.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" ( لهم فيها ما يشاءون ) أي : من الملاذ : من مآكل ومشارب ، وملابس ومساكن ، ومراكب ومناظر ، وغير ذلك ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب أحد . وهم في ذلك خالدون أبدا دائما سرمدا بلا انقطاع ولا زوال ، ولا انقضاء ، لا يبغون عنها حولا . وهذا من وعد الله الذي تفضل به عليهم ، وأحسن به إليهم " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (6 / 98)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( قَالَ اللَّهُ : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ . فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) رواه البخاري (3244) ومسلم (2824) .

وروى البخاري (7519) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ : أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ ، فَقَالَ لَهُ : أَوَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ ؟ قَالَ : بَلَى وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ ، فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ( أي سبق ذلك لمح البصر ) فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ . فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَجِدُ هَذَا إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ ، فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ . فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .

قال ابن حجر رحمه الله :

" وفي هذا الحديث من الفوائد أن كل ما اشتهي في الجنة من أمور الدنيا ممكن فيها . قاله المهلب " انتهى .

"فتح الباري" (5 / 27)

ثانيا :

ليس يعني ذلك أن هذه الأشياء الموجودة في الجنة هي نفس الأشياء الموجودة في الدنيا ، بل ولا هي مماثلة لها من كل وجه ، وإنما هي تفاح حقيقة ـ مثلا ـ كما نفهمه من اسم التفاح ، وهي لحم طير حقيقة ، كما نفهمه من لحم الطير ، وبينهما من التفاوت العظيم ، ما الله به عليم .

قال ابن عباس رضي الله عنهما : " لا يشبه شَيءٌ مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء " ، وفي رواية : " ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء " .

رواه ابن جرير من رواية الثوري وابن أبي حاتم في تفسيره (1/66) ، وغيرهما . قال البوصيري : " رواه مُسَدَّد موقوفًا ، ورواته ثقات" . انتهى . "إتحاف الخيرة المهرة" (8/273) ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (3769) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " يَعْنِي أَنَّ مَوْعُودَ اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالْخَمْرِ وَاللَّبَنِ تُخَالِفُ حَقَائِقُهُ حَقَائِقَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَوْجُودَةِ فِي الدُّنْيَا " انتهى .

"الفتاوى الكبرى" (6/468) .

وقال ابن كثير رحمه الله : " يعني: أن بين ذلك بَونًا عظيما، وفرقًا بينا في التفاضل ". انتهى .

"تفسير ابن كثير" (7/503) .

والخلاصة : أن الله تعالى يمن على عبده في الجنة بما يشتهيه ، وتقر به عينه فيها ، لكن حقائق هذا النعيم : ليست هي نفس الأشياء التي كانت معه في الدنيا ، بل هي مشابهة لها .

والله أعلم .

يراجع للاستزادة إجابة السؤال رقم (126629) ، (20286) .