عنوان الفتوى : سفر المرأة بدون محرم لزيارة أهلها.. رؤية شرعية
هل يجوز السفر بدون محرم للضرورة كسفر مقيمة في السعودية إلى بلدها بغير محرم؛ لأنه ليس باستطاعة أبنائها السفر معها لظروفهم المادية، وهي مطلقة وأهلها يطلبون بزيارتها ؟ أرجو الرد عاجلاً لو سمحتم .؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر لغير حجة الإسلام أو عمرة الإسلام إلا مع زوج أو محرم، وفي سفرها للحج والعمرة الواجبين خلاف، ومنعها من السفر بغير محرم دلت عليه نصوص كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. أخرجه البخاري.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلا مَعَ ذي محرم.
ويستثنى من ذلك حال الضرورة فإذا دعت المرأة ضرورة حقيقية إلى السفر بغير محرم كأن أرادت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام أو نحو ذلك جاز لها السفر ولو بلا محرم، قال الحافظ في الفتح: قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض الا مع زوج أو محرم الا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت، وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة. انتهى.
وعليه، فإن كانت هذه المرأة مضطرة إلى السفر بحيث تخشى وقوع ضرر بها إن لم تسافر جاز لها السفر من غير محرم.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله: ما حكم سفر المرأة وحدها في الطائرة لعذر، بحيث يوصلها المحرم إلى المطار ويستقبلها محرم في المطار الآخر؟ فأجاب رحمه الله: لا بأس بذلك عند المشقة على المحرم ، كالزوج أو الأب ، إذا اضطرت المرأة إلى السفر ، ولم يتيسر للمحرم صحبتها ، فلا مانع من ذلك بشرط أن يوصلها المحرم الأول إلى المطار ، فلا يفارقها حتى تركب الطائرة ، ويتصل بالبلاد التي توجهت إليها ، ويتأكد من محارمها هناك أنهم سوف يستقبلونها في المطار ، ويخبرهم بالوقت الذي تَقْدُمُ فيه ورقم الرحلة .. لأن الضرورات لها أحكامها. انتهى
ورخص بعض العلماء للمرأة في أن تسافر من غير محرم إن أمنت على نفسها، قال الحطاب الرعيني (المالكي) : فهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ : "بِفَرْضِ" أَنَّ سَفَرَهَا فِي التَّطَوُّعِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَكْثَرَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ مُتَجَالَّةً، وَقَيَّدَ ذَلِكَ الْبَاجِيُّ بِالْعَدَدِ الْقَلِيلِ وَنَصُّهُ: هَذَا عِنْدِي فِي الِانْفِرَادِ وَالْعَدَدِ الْيَسِيرِ فَأَمَّا فِي الْقَوَافِلِ الْعَظِيمَةِ فَهِيَ عِنْدِي كَالْبِلَادِ يَصِحُّ فِيهَا سَفَرُهَا دُونَ نِسَاءٍ وَذَوِي مَحَارِمَ. انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْإِكْمَالِ وَقَبِلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ، وَذَكَرَهُ الزَّنَاتِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَيُقَيِّدُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَنَصُّ كَلَامِ الزَّنَاتِيِّ إذَا كَانَتْ فِي رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ ذَاتِ عَدَدٍ وَعُدَدٍ أَوْ جَيْشٍ مَأْمُونٍ مِنْ الْغَلَبَةِ وَالْمَحَلَّةُ الْعَظِيمَةِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ سَفَرِهَا مِنْ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ فِي جَمِيعِ الْأَسْفَارِ الْوَاجِبِ مِنْهَا وَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَبَيْنَ الْبَلَدِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَابِسِيُّ. انْتَهَى مواهب الجليل في شرح مختصر خليل.
وقيده بعضهم بسفر الطاعة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وصلة الرحم لا شك في كونها من الطاعات، فعلى هذا يجوز لهذه المرأة أن تسافر في الحال المذكورة.
قال ابن مفلح في الفروع: وعند شيخنا: تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم, وقال: إن هذا متوجه في كل سفر طاعة, كذا قال, ونقله الكرابيسي عن الشافعي في حجة التطوع, وقاله بعض أصحابه فيه وفي كل سفر غير واجب, كزيارة وتجارة, وقاله الباجي المالكي في كبيرة غير مشتهاة, وذكر أبو الخطاب رواية المروذي ثم قال: وظاهره جواز خروجها بغير محرم, ذكره شيخنا في مسألة العجوز تحضر الجماعة, هذا كلامه. انتهى.
وأما على مذهب الجمهور الذين لا يجوزون السفر بدون محرم إلا لضرورة فإن سفرها لمجرد رؤية أهلها لها ليس فيما نرى عذرا يبيح السفر بلا محرم، بل عليها أن تنتظر حتى يتيسر لها السفر إليهم مع أحد أبنائها، وحتى يتيسر ذلك فلتكتف بمواصلة أهلها عبر الهاتف ونحوه من وسائل الاتصال، والأخذ بهذا القول أحوط وأبرأ للذمة.
والله أعلم.