عنوان الفتوى : لا حجة للكافر على ربه
ألا يمكن لرجل كافر يوم القيامة أن يحتج على الله بأنه لم يمته صغيرا كما أمات العديد من الناس وهم دون التكليف فيدخلون الجنة، فيقول كما أن هذا الطفل دخل الجنة بدون أن يعطى فرصة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم -هداك الله- أنه ليس لأحد من الخلق حجة على الله تعالى بل لله تعالى الحجة البالغة على جميع خلقه، فإنه تعالى لا يعذب في القيامة كافرا إلا بذنبه وما كسبت يده فقد أرسل الله إليه الرسل، وأنزل الكتب وأزاح العلل وقطع المعاذير وهدى النجدين وأوضح السبيل، وخلق للعبد إرادة ومشيئة بها يكتسب فعله فهو الفاعل له حقيقة والمختار له حقيقة، فأنى يكون له بعد ذلك حجة. قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين.
قال ابن كثير رحمه الله: وقوله تعالى: { قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }. يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قُلْ } لهم يا محمد: { فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ } أي: له الحكمة التامة، والحجة البالغة في هداية من هَدى، وإضلال من أضل، { فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } وكل ذلك بقدرته ومشيئته واختياره، وهو مع ذلك يرضى عن المؤمنين ويُبْغض الكافرين، كما قال تعالى: { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى }. [الأنعام : 35] ، وقال تعالى: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا }. [يونس : 99] ، وقوله ( { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ }. [هود : 118 ، 119] .
قال الضحاك: لا حجة لأحد عصى الله، ولكن لله الحجة البالغة على عباده. انتهى، وقال تعالى: رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. انتهى.
فليس للكافر على الله تعالى حجة البتة، وكما لا يمكن للكافر أن يحتج على الله بأنه هدى من شاء من عباده وأضله هو فليس له كذلك أن يحتج بكونه تعالى قبض من شاء من عباده صغيرا قبل التكليف، وقد بين تعالى أن المشركين لا يستطيعون إلا أن يحمدوا الله تعالى ويقروا بعدله وحكمته وأنه لم يظلمهم مثقال ذرة حتى وهم من أهل النار، في قعر الجحيم كما قال تعالى في آخر سورة الزمر: وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين. فأبهم القائل ليعم كل أحد ومنهم الكفار فهم ممن يحمد الله تعالى على عدله وحكمته وقضائه الذي قضى بين عباده.
قال ابن كثير رحمه الله: ثم قال: { وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }. أي: ونطق الكون أجمعه -ناطقه وبهيمه- لله رب العالمين، بالحمد في حكمه وعدله؛ ولهذا لم يسند القول إلى قائل بل أطلقه، فدل على أن جميع المخلوقات شَهِدَت له بالحمد.
قال قتادة: افتتح الخلق بالحمد في قوله: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ }. [الأنعام:1]. واختتم بالحمد في قوله: { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. انتهى، وقال ابن القيم رحمه الله: فحذف فاعل القول لأنه غير معين بل كل أحد يحمده على ذلك الحكم الذي حكم فيه فيحمده أهل السموات وأهل الأرض والأبرار والفجار والإنس والجن حتى أهل النار. قال الحسن أو غيره: لقد دخلوا النار وإن حمده لفي قلوبهم ما وجدوا عليه سبيلا.
فالله تعالى هو المحمود على ما يقدره ويقضيه وله الحكمة التامة في كل أفعاله وله الحجة البالغة على جميع خلقه، وليس لأحد حجة عليه.
هذا وننبهك إلى أن في مصير أطفال المشركين خلافا كبيرا بين أهل العلم، وانظر لتفصيله طريق الهجرتين وشفاء العليل وكلاهما للمحقق ابن القيم رحمه الله، وانتصر هو وشيخه لكونهم يمتحنون في الآخرة.
والله أعلم.