عنوان الفتوى : هل تصح الفتيا من النساء؟ ومن كان يُعرف بالعلم والفتيا منهن في تاريخ الإسلام؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما مدى صحة جواز الفتيا للنساء ؟ .

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق

الحمد لله

بعث الله تعالى رسولَه بالهدى ودين الحق ، ليكون للعالَمين بشيراً ونذيراً ، وقد أدَّى النبي صلى الله عليه وسلم الأمانة ، وبلَّغ الرسالة ، وكان ممن سمع منه صلى الله عليه وسلم نساء ورجال ، وهكذا قام من بعده بوظيفة التبليغ والتعليم الصحابة ، ومن بعدهم ، وكان في تلامذتهم نساء ورجال ، وقد كانت الأمور منضبطة بضابط الشرع في أمور التعلم والتعليم ، بعيدة عن الاختلاط المحرَّم ، وكشف المرأة وجهها ، والخضوع في القول .

والإسلام لا يفرِّق بين الرجال والنساء في العلم والفتيا ، وقد نصَّ أهل العلم على شروط المفتي ، ولم يذكروا من الشروط : الذكورة ، ولا يُعرف في هذا خلاف بينهم .

قال النووي رحمه الله :

"شرط المفتى : كونه مكلفاً ، مسلماً ، ثقةً ، مأموناً ، متنزهاً عن أسباب الفسق ، وخوارم المروءة ، فقيه النفس ، سليم الذهن ، رصين الفكر ، صحيح التصرف ، والاستنباط ، متيقظاً ، سواء فيه الحر ، والعبد ، والمرأة ، والأعمى ، والأخرس إذا كتب ، أو فُهمت إشارته" انتهى .

"المجموع شرح المهذب" (1/41) .

وقد كان في هذه الأمة العظيمة من قام بواجب التعليم والفتيا من النساء ، كما قام به من الرجال .

نعم ، إن عدد النساء لا يمكن مقارنته بالرجال بسبب طبيعة الرجل ، لكن هذا لم يمنع من وجود نساء يقمن بمهمة التعليم ، والفتيا ، وعلى رأس أولئك النساء : أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وقد كانت مقصد الرجال والنساء في الفتيا ؛ بسبب قربها من النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكائها ، وفطنتها .

قال ابن عبد البر في "الاستيعاب"  (ص 609) :

"عن مسروق قال : رأيت مشيخةً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض .

وقال عطاء بن أبي رباح : كانت عائشة أفقه الناس ، وأعلم الناس ، وأحسن الناس رأياً في العامة .

وقال هشام بن عروة عن أبيه : ما رأيت أحداً أعلم بفقه ، ولا بطب ، ولا بشعْر من عائشة .

وقال الزهري : لو جُمع عِلْم عائشة إلى عِلْم جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وعِلم جميع النساء : لكان عِلم عائشة أفضل" انتهى .

وقد عدَّ ابن القيم رحمه الله المكثرين من الفتيا من الصحابة ، وذكر منهم عائشة رضي الله عنها ، وعدَّ أم سلمة رضي الله عنها من المتوسطين ، وجعل أم عطية ، وصفية أم المؤمنين ، وحفصة ، وأم حبيبة ، من المقلِّين في الفتيا .

انظر : "إعلام الموقعين" (1/12 ، 13) .

ونحن نسوق هنا بعض من وصفهن الإمام الذهبي رحمه الله بالعلم والفقه في كتابه "سيَر أعلام النبلاء" ، توكيداً لما ذكرناه :

1. صفية بنت شيبة .

قال الذهبي رحمه الله :

صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، الفقيهة ، العالمة .

"سير أعلام النبلاء" (3/507 ، 508) .

2. أم الدرداء .

قال الذهبي رحمه الله :

أم الدرداء ، السيدة ، العالمة ، الفقيهة ، وهي أم الدرداء الصغرى .

روت علماً جمّاً عن زوجها أبي الدرداء ، وعن سلمان الفارسي ، وكعب بن عاصم الأشعري ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وطائفة .

وعرضت القرآن وهي صغيرة على أبي الدرداء .

وطال عمرها ، واشتهرت بالعلم ، والعمل ، والزهد .

قال مكحول : كانت أم الدرداء فقيهة .

"سير أعلام النبلاء" (4/277 ، 278) .

3. معاذة العدوية (ت 83 هـ) .

قال الذهبي رحمه الله :

معاذة بنت عبد الله ، السيدة ، العالمة ، أم الصهباء العدوية البصرية ، العابدة ، زوجة السيد القدوة صلة بن أشيم .

روت عن علي بن أبي طالب ، وعائشة ، وهشام بن عامر .

"سير أعلام النبلاء" (4/508 ، 509) .

4. بنت المحاملي (ت 377 هـ) .

قال الذهبي رحمه الله :

العالمة ، الفقيهة ، المفتية ، أمة الواحد بنت الحسين بن إسماعيل .

تفقهت بأبيها ، وروت عنه ، وعن إسماعيل الوراق ، وعبد الغافر الحمصي ، وحفظت القرآن ، والفقه للشافعي ، وأتقنت الفرائض ، والعربية ، وغير ذلك .

قال البرقاني : كانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة .

وقال غيره : كانت من أحفظ الناس للفقه .

"سير أعلام النبلاء" (15/264) .

5. كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم أم الكرام المرزوية (ت 463 هـ) .

قال الذهبي رحمه الله :

الشيخة ، العالمة ، الفاضلة ، المسندة ، أم الكرام .

"سير أعلام النبلاء" (18/233 ، 234) .

6. عائشة بنت حسن بن إبراهيم (ت 460 هـ) .

قال الذهبي رحمه الله :

الواعظة ، العالمة ، المسندة ، أم الفتح الاصبهانية ، الوركانية .

قال ابن السمعاني : سألت الحافظ إسماعيل عنها ، فقال : امرأة صالحة ، عالمة ، تعظ النساء.

"سير أعلام النبلاء" (18/302) .

7. فاطمة الدقَّاق (ت480 هـ) .

قال الذهبي رحمه الله :

فاطمة بنت الأستاذ الزاهد أبي علي ، الحسن بن علي الدقاق ، الشيخة ، العابدة ، العالمة ، أم البنين ، النيسابورية ، أهل الأستاذ أبي القاسم القشيري ، وأم أولاده .

"سير أعلام النبلاء" (18/479 ، 480) .

8. بنت زعبل (ت532 هـ) .

قال الذهبي رحمه الله :

الشيخة ، العالمة ، المقرئة ، الصالحة ، المعمرة ، مسندة نيسابور ، أم الخير ، فاطمة بنت علي بن مظفر بن الحسن بن زعبل بن عجلان البغدادي ، ثم النيسابورية .

"سير أعلام النبلاء" (19/625) .

9. فاطمة بنت البغدادي (ت539 هـ) .

قال الذهبي رحمه الله :

الشيخة ، العالمة ، الواعظة ، الصالحة ، المعمرة ، مسندة أصبهان ، أم البهاء ، فاطمة بنت محمد بن أبي سعد أحمد بن الحسن بن علي بن البغدادي الأصبهاني .

"سير أعلام النبلاء" (20/148) .

فهذه طائفة من نساء فاضلات ، عالمات ، مفتيات ، ولا يمنع الإسلام أحداً من أهل العلم ، رجلاً كان أم امرأة أن يفتي ، ويعلم الناس دين الله تعالى .

وينبغي التنبيه إلى أن هناك فرقاً بين الفتوى والقضاء ، فالفتوى هي الإخبار بالحكم الشرعي ، وهذا لا يُمنع منه أحد ، إذا كان أهلاً لذلك ، أما القضاء فقد دلت الأدلة الشرعية ، وجرى عليه عمل الأمة الإسلامية أن المرأة لا تتولى القضاء ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (71338) .

والله أعلم