عنوان الفتوى : المنعَّم في قبره هل يخاف يوم القيامة أم يبقى آمنا
بخصوص نعيم القبر.. فبعد أن يعيش المؤمن حياة البرزح في القبر ويعلم بمصيره في الآخرة وهو الجنة إن شاء الله.. لماذا يكون خائفاً يوم القيامة وهو يعلم بأن مصيره الجنة.. ولماذا يخاف عند الصراط؟ وجزاكم الله خيراً على هذا الصرح الطيب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبقت الإجابة عن نحو هذا السؤال في الفتوى رقم: 17787.
ومما يزيد الأمر وضوحا أن تفهم البشارة التي تحصل للمؤمن في قبره في ضوء البشارة العامة لأهل الطاعة والاستقامة منذ أن أُهبط آدم على الأرض، كما قال تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {البقرة:38}، قال النيسابوري في غرائب القرآن ورغائب الفرقان: هذا يدل على أن المكلف الذي أطاع الله تعالى لا يلحقه خوف عند الموت ولا في القبر ولا عند البعث ولا عند حضور الموقف ولا عند تطاير الكتب ولا عند نصب الميزان ولا عند الصراط: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ. وقال قوم من المتكلمين: إن أهوال يوم القيامة تعم الكفار والفساق والمؤمنين بدليل قوله تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى). (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا) (يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ). (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) وفي الحديث: تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً. وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه. وحديث الشفاعة وقول كل نبي: (نفسي نفسي ) إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه يقول (أمتي أمتي) مشهور. قلت: لا ريب أن وعد الله حق، فمن وعده الأمن يكون آمناً لا محالة، إلا أن الإنسان خلق ضعيفاً لا يستيقن الأمن الكلي ما لم يصل إلى الجنة، لأنه لا يطمئن قلبه ما لم ينضم له إلى علم اليقين عين اليقين، وأيضاً إن جلال الله وعظمته يدهش الإنسان براً كان أو فاجرا.. انتهى.
وقال القرطبي: المعنى في الآية: فلا خوف عليهم فيما بين أيديهم من الآخرة ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا. وقيل: ليس فيه دليل على نفي أهوال يوم القيامة وخوفها على المطيعين لما وصفه الله تعالى ورسوله من شدائد القيامة، إلا أنه يخففه عن المطيعين وإذا صاروا إلى رحمته فكأنهم لم يخافوا، والله أعلم. انتهى.
والله أعلم.