عنوان الفتوى : لماذا يستحب صيام الحادي عشر مع يوم عاشوراء؟
قرأت جميع الأحاديث عن يوم عاشوراء، ولم أجد في أحدها أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى صيام يوم الحادي عشر لمخالفة اليهود، وإنما قال: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر) مخالفة لليهود. كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يوجّه أصحابه لصيام يوم الحادي عشر ، وعليه: أفلا يكون بدعة أن نفعل ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه؟ وهل من فاته صيام التاسع يكتفي بصيام العاشر؟
الحمد لله.
استحب العلماء صيام اليوم الحادي عشر من المحرم لأنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بصيامه، وذلك فيما رواه أحمد (2155) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا.
وقد اختلف العلماء في صحة هذا الحديث، فحسنه الشيخ أحمد شاكر، وضعفه محققو المسند.
ورواه ابن خزيمة (2095) بهذا اللفظ، وقال الألباني: "إسناده ضعيف، لسوء حفظ ابن أبي ليلى، وخالفه عطاء وغيره فرواه عن ابن عباس موقوفاً، وسنده صحيح عند الطحاوي والبيهقي" انتهى.
فإن كان الحديث حسناً فهو حسن، وإن كان ضعيفاً، فالحديث الضعيف في مثل هذا يتسامح فيه العلماء، لأن ضعفه يسير، فليس هو مكذوباً أو موضوعاً، ولأنه في فضائل الأعمال، لا سيما وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الترغيب في الصيام من شهر المحرم، حتى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ رواه مسلم (1163).
وقد روى البيهقي هذا الحديث في "السنن الكبرى" باللفظ السابق، وفي رواية أخرى بلفظ: صوموا قبله يوماً وبعده يوماً بالواو بدلاً من "أو".
وأورده الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة" (2225) بلفظ: صوموا قبله يوماً وبعده يوماً وقال: "رواه أحمد والبيهقي بسند ضعيف، لضعف محمد بن أبي ليلى، لكنه لم ينفرد به، فقد تابعه عليه صالح بن أبي صالح بن حي" انتهى.
فتفيد هذه الرواية استحباب صيام التاسع والعاشر والحادي عشر.
وقد ذكر بعض العلماء سبباً آخر لاستحباب صيام اليوم الحادي عشر، وهو الاحتياط لليوم العاشر، فقد يخطئ الناس في هلال محرم، فلا يُدرى أي يوم بالضبط هو اليوم العاشر، فإذا صام المسلم التاسع والعاشر والحادي عشر فقد تحقق من صيام عاشوراء ، وقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/313) عن طاوس رحمه الله أنه كان يصوم قبله وبعده يوما مخافة أن يفوته.
وقال الإمام أحمد: "من أراد أن يصوم عاشوراء صام التاسع والعاشر إلا أن تشكل الشهور فيصوم ثلاثة أيام، ابن سيرين يقول ذلك" انتهى من "المغني" (4/441).
فتبين بهذا أنه لا يصح وصف صيام الأيام الثلاثة بأنه بدعة.
وأما من فاته صيام اليوم التاسع، فإن صام العاشر وحده، فلا حرج في ذلك، ولا يكون ذلك مكروهاً، وإن ضم إليه صيام الحادي عشر فهو أفضل.
قال المرداوي في "الإنصاف" (3/346):
"لا يكره إفراد العاشر بالصيام على الصحيح من المذهب، ووافق الشيخ تقي الدين [ابن تيمية] أنه لا يكره" انتهى باختصار.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (303756),ورقم (21819) ورقم (21787) .
والله أعلم.