عنوان الفتوى : الأسباب المعينة للقيام لصلاة الفجر
يا فضيلة الشيخ: أنا فتاة أبلغ من العمر تسع عشرة سنة، لدي مشكلة هي أني لا أستيقظ لصلاة الفجر، وحاولت الالتزام بها، ولكني أستيقظ بعض المرات، وأكثر الأحيان لا أستيقظ، وهكذا في بعض الصلوات إذا كنت نائمة وأنا والله العظيم أعرف عقوبة هذا، إني أخاف من الله لكني لا أستطيع القيام إلى الصلاة إذا كنت نائمة. فما الحل يا فضيلة الشيخ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعلى المسلم أن يأخذ بأسباب الاستيقاظ للصلاة قبل نومه، ويحرص على ذلك، ويصدق النية، فإذا فعل ثم لم يقدر له الاستيقاظ وفاتته الصلاة فهو معذور لعدم تفريطه، وانظري الفتوى رقم: 119406.
وبه تعلمين أنك إذا أخذت بأسباب الاستيقاظ ثم غلبك النوم فلا إثم عليك إن شاء الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يفوت الصلاة حتى يدخل وقت التي تليها. أخرجه مسلم.
وأما إذا كنت تتهاونين في الأخذ بأسباب الاستيقاظ من ضبط منبه أو نحوه، أو توكيل من يوقظك للصلاة فيخشى عليك من الإثم في هذه الحال.
ونحن نسوق إليك بعض النصائح التي يرجى لك إن اتبعتها أن تستيقظي للصلاة بإذن الله.
فمن ذلك: أن تجتهدي في الدعاء، فإنه أمضى سلاح يستعين به العبد، ومتى اجتهدت في الدعاء والاستعانة بالله والتوكل عليه فإنه تعالى سيعينك ويوفقك لما فيه مرضاته.
ومن الأسباب المعينة على صلاة الفجر: الإخلاص لله تعالى كما أمر الله تعالى بإخلاص العمل له دون ما سواه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. فكلما قوي إخلاص العبد كان أكثر توفيقاً إلى الطاعات والقربات، وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بشر هذه الأمة بالسناء، والدين، والرفعة، والنصر، والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب. رواه أحمد.
قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: صلاح العمل بصلاح القلب، وصلاح القلب بصلاح النية.
قال ابن القيم رحمه الله: وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون توفيقه سبحانه وإعانته، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك.
ومنها: النوم على الجانب الأيمن: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد أمته إلى النوم على الجانب الأيمن، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه، ثم ليضطجع على شقه الأيمن، ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين. متفق عليه. وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن. متفق عليه.
وعن حفصة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن. رواه الطبراني، صحيح الجامع.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وفي اضطجاعه صلى الله عليه وسلم على شقه الأيمن سر، وهو أن القلب معلّق في الجانب الأيسر، فإذا نام على شقه الأيسر استثقل نوماً، لأنه يكون في دعة واستراحة فيثقل نومه، فإذا نام على شقه الأيمن فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم لقلق القلب وطلبه مستقره وميله إليه.
ومنها: النوم على طهارة: تقدم حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة. متفق عليه، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يبيت على ذكر طاهراً فيتعارّ من الليل، فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه. رواه أبو داود وأحمد. وجاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طهّروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك، لا يتقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك، فإنه بات طاهراً. رواه الطبراني، قال المنذري: إسناد جيد.
ومنها: التبكير بالنوم: النوم بعد العشاء مبكراً وصية نبوية، وخصلة حميدة، وعادة صحية. ومما جاء في فضله حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها. رواه البخاري.
نقل الحافظ ابن حجر عن القاضي عياض في قوله: وكان يكره النوم قبلها. قال: لأنه قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقاً، أو عن الوقت المختار، والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم قبل الصبح، أو عن وقتها المختار، أو عن قيام الليل.
وقال ابن رافع: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينِشّ الناس بدِرّته بعد العتمة ويقول: قوموا لعل الله يرزقكم صلاة.
ومما يتعلق بالنوم: اختيار الفراش المناسب، وذلك بعدم المبالغة في حشو الفراش، وتليينه وتنعيمه لأن ذلك من أسباب كثرة النوم والغفلة، ومجلبة للكسل والدّعة.
وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كانت وسادة النبي صلى الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف. رواه أبو داود وأحمد.
ومنها: المحافظة على الأذكار الشرعية قبل النوم: فإن هذه الأذكار حصن حصين يقي بإذن الله من الشيطان، ويعين على القيام.
ومن هذه الأذكار، ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فلينفضه بداخلة إزاره، الخ الحديث المتقدم.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما يقرأ (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. متفق عليه.
وعن أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه. متفق عليه.
وعن أنس بن مالك رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي له. رواه مسلم.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقصة الشيطان معه قال له: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. حتى تختمها، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فذكر ذلك أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: صدقك وهو كذوب. متفق عليه.
وكذلك اجتناب الذنوب والمعاصي.
والله أعلم.