عنوان الفتوى : كتاب الخلق من العرش إلى الفرش في الميزان
ابدأ كلامي بتحية الإسلام وأقول: استفساري و بكل اختصار وأرجو الرد: منذ فترة قرأت في أحد المنتديات عن كتاب اسمه: قصة الخلق من العرش إلى الفرش. للكاتب عيد ورداني. حيث يتكلم عن الكون والمجموعات الشمسية والخ ........... الخ بعد قراءتي لجزء بسيط لاحظت بأنه يرفض كل ما قرأناه في المدارس والجامعات لدرجة أنه يرفض كل كلام العلماء في مجال الفلك وغيره، ومستعينا بآيات قرآنية، ولكن للأسف لم أستطع أن أقتنع بذلك وأحببت أن أرى رأيكم بهذا الكتاب ومدى صحة كلامه. وشكرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أحسن السائل الكريم في عدم اقتناعه بما قرأ في الكتاب المذكور، الذي لا يُعرف لمؤلفه مكانة علمية لا في العلوم الشرعية ولا في العلوم الكونية، والذي يرفض الحقائق العلمية الثابتة ثبوتا لا يقبل التشكيك، بدعوى أنها مخالفة للقرآن، والحقيقة أنها مخالفة لفهمه هو للقرآن، فمثلا حقيقة وجود قانون الجاذبية لا يمكن أن ينكره عاقل، ولكن قد يخطئ المرء في فهمه لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا .{فاطر: 41}. فيرى تعارضا بينها وبين إثبات قانون الجذب، والحقيقة أنه لا تعارض، فالله تعالى هو الذي قدر هذا التقدير الحكيم للتجاذب بين الأشياء ودبر ذلك بعلمه وقدرته، كحال كل القوانين والحقائق الثابتة في الكون، فالمسلم يعلم مثلا أن الله تعالى هو الذي سخر البحر ولا يرى تعارضا بين هذا وبين إثبات قانون الطفو الذي استطاع العلماء من خلال فهمه اختراع الغواصات وتطوير السفن، وهذا من حكمة الله في الخلق أن تنظمه قوانين ثابتة يفتح الله على من شاء من خلقه بفهمها فيترتب على ذلك منافع للخلق جميعا، ويتميز المؤمن بتفكره فيها زيادةً في يقينه بعلم الله الكامل وقدرته التامة وحكمته البالغة، قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. {الجاثية: 12-13}. فكأن هذا الخلق المحكم بالتسخير من الله تعالى غايته استخراج عبادتي الشكر والتفكر المؤدي لزيادة الإيمان ومعرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، قال سبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ .{الحج: 65}.
فالله تعالى هو الذي خلق تلك القوانين التي تحكم المظاهر الكونية وجعلها ثابتة لا تتغير رحمة بخلقه ومعونة لهم، فمن خلال فهمها يمكنهم التفاعل مع الكون واستحداث ما يلزم لأمور المعاش، قال تعالى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ. {الأعراف: 10}. وقال عز وجل: وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ. {الحجر: 19-20}.
ومؤلف الكتاب المذكور لم يوفَّق في كتابه، ولم يوافقه عليه أحد من المتخصصين في المجالين لا الشرعي ولا الكوني، ومن المعروف أن كل علم له أهله، ولا يصح أن يفتح الباب لكل من شاء أن يتكلم فيما لا يحسن. والحقيقة التي توصل إليها المؤلف من خطأ هذه العلوم الحديثة من الفلك وغيره وتناقضها واختلافها مع القرآن، من دواعي العجب والأسف، فهي علوم مبنية على أسس واضحة لا تحتمل التشكيك، ومن ناحية أخرى ففي بعض جوانبها إثبات لبعض نواحي الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، الأمر الذي كان سببا في إسلام كثير من المتخصصين في العلوم الكونية.
والله أعلم.