عنوان الفتوى : أكل ما سوى اللحم من أجزاء البعير هل ينقض الوضوء
هل كبدة الحاشي تنقض الوضوء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحاشي هو الجمل الصغير ، قال في القاموس: والحَشْوُ صِغَار الإبِلِ، وحاشَيْتُها. والحاشِيُّ: - على فاعُوْلٍ - : حَشْوُ الإبِلِ.
وقد ذهب الحنابلة إلى انتقاض الوضوء بأكل لحم الإبل، وقواه النووي في الدليل ، وهو الراجح ، وانظر الفتوى رقم: 2062.
واختلف الحنابلةُ في سائر أجزاء الإبل كالكبد ونحوه، هل يُعد أكلها ناقضاً للوضوء، والمعتمد في المذهب أنه لا ينقض الوضوء ما سوى اللحم ، وعليه؛ فأكل الكبد من الإبل غيرُ ناقض للوضوء.
جاء في الروض المربع مع حاشيته لابن قاسم: (و) السابع (أكل اللحم خاصة من الجزور) أي الإبل فلا ينقض بقية أجزائها كالكبد والقلب والطحال والكرش والشحم، والكلية بضم الكاف، واللسان، والرأس والسنام والأكارع والمصران، لأن النص لم يتناوله.
قال الشيخ: اختاره كثير من أصحابنا، وصححه في التصحيح، وابن عقيل، وجزم به في الوجيز وغيره. انتهى.
والوجه الثاني في المذهب أن أكل الكبد ناقضٌ كاللحم ، وذكر ابن قدامة الوجهين فقال في المغني: وفيما سوى اللحم من أجزاء البعير من كبده وطحاله وسنامه ودهنه ومرقه وكرشه ومصرانه وجهان؛ أحدهما: لا ينقض لأن النص لم يتناوله، والثاني: ينقض لأنه من جملة الجزور وإطلاق اللحم في الحيوان يراد به جملته لأنه أكثر ما فيه، ولذلك لما حرم الله تعالى لحم الخنزير كان تحريما لجملته كذا هاهنا. انتهى.
وهذا هو الذي رجحه العلامة العثيمين رحمه الله ، بعدما ساق حُجج القولين ، ونحن نسوق كلامه بطوله لنفاسته ، قال رحمه الله: وخرج بكلمة «خاصَّة» ما عدا اللحم كالكِرْش، والكبد، والشَّحم، والكلية، والأمعاء، وما أشبه ذلك. والدَّليل على ذلك:
1- أن هذه الأشياء لا تدخل تحت اسم اللَّحم، بدليل أنك لو أمرت أحداً أن يشتريَ لك لحماً، واشترى كرشاً؛ لأنكرت عليه، فيكون النقضُ خاصًّا باللَّحم الذي هو «الهَبْرُ» .
2- أنَّ الأصل بقاءُ الطَّهارة، ودخولُ غير «الهَبْر» دخولٌ احتماليٌّ، واليقينُ لا يزول بالاحتمال.
3- أنَّ النَّقْضَ بلحم الإِبل أمرٌ تعبُّديٌّ لا تُعرف حكمته، وإِذا كان كذلك، فإِنه لا يمكن قياس غير الهَبْرِ على الهَبْر؛ لأن من شرط القياس أن يكون الأصل معلَّلاً، إِذ القياس إِلحاق فرع بأصل في حُكم لِعلَّةٍ جامعة، والأمور التعبُّدية غير معلومة العِلّة، وهذا هو المشهور من المذهب.
والصَّحيح: أنه لا فرق بين الهَبْرِ وبقيَّة الأجزاء، والدَّليل على ذلك:....
1- أنَّ اللَّحم في لُغَة الشَّرع يشمل جميعَ الأجزاء، بدليل قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] ، فلحم الخنزير يشمل كلَّ ما في جلده، بل حتى الجلد، وإِذا جعلنا التَّحريمَ في لحم الخنزير ـ وهو مَنْعٌ ـ شاملاً جميع الأجزاء فكذلك نجعل الوُضُوء من لحم الجزور ـ وهو أَمْرٌ ـ شاملاً جميع الأجزاء، بمعنى أنك إِذا أكلت أي جزء من الإِبل، فإِنه ينتقض وضوؤك.
2- أنَّ في الإِبل أجزاءً كثيرة قد تُقارب الهَبْر، ولو كانت غير داخلة لبيَّن ذلك الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم لعِلْمِهِ أنَّ النَّاس يأكلون الهَبْر وغيره.
3- أنَّه ليس في شريعة محمَّد صلّى الله عليه وسلّم حيوانٌ تتبعَّضُ أجزاؤه حلًّا وحُرمةً، وطَهارةً ونجاسةً، وسلباً وإيجاباً، وإِذا كان كذلك فلتكن أجزاء الإِبل كلُّها واحدة.
4- أنَّ النَّصَّ يتناول بقيَّة الأجزاء بالعموم المعنوي، على فرض أنه لا يتناولها بالعُموم اللَّفظي؛ إِذْ لا فرق بين الهَبْر وهذه الأجزاء، لأنَّ الكُلَّ يتغذَّى بدمٍ واحد، وطعام واحد، وشراب واحد.
5- أنَّه إِذا قلنا بوجوب الوُضُوء وتوضَّأنا وصلَّينا، فالصَّلاة صحيحةٌ قولاً واحداً، وإِن قلنا بعدم الوجوب وصلَّينا بعد أكل شيء من هذه الأجزاء بلا وُضُوء، فالصَّلاة فيها خلاف؛ فمن العلماء من قال بالبطلان، ومنهم من قال بالصِّحة، ففيها شُبهة، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: من اتَّقى الشُّبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه. وقال صلّى الله عليه وسلّم: دَعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ.
6- أنَّه روى أحمد في «مسنده» بسندٍ حسن عن أُسيد بن حُضير أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: تَوضَّؤوا من ألبان الإِبل.
وإِذا دلَّت السُّنَّة على الوُضُوء من ألبان الإِبل، فإِن هذه الأجزاء التي لا تنفصل عن الحيوان من باب أَوْلَى. وعلى هذا يكون الصَّحيحُ أنّ أكل لحم الإِبل ناقضٌ للوُضُوء مطلقاً، سواءٌ كان هَبْراً أم غيره. انتهى.
فلو احتاط المرء فتوضأ من أكل كبد الإبل لكان أحسن.
والله أعلم.