عنوان الفتوى : حكم صلاة المرأة إذا كان ما تحت ذقنها مكشوفا
هل يجب على المرأة أن تغطي ما تحت الذقن وهي في الصلاة إذا كانت تصلي وحدها ولا يراها الأجانب؟ أقصد الموضع ما بين الرقبة والذقن، النساء غالبا يصلين ولا يسترن ذلك الموضع. وهل فعلهن ذلك يبطل الصلاة؟ بارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالوجه هو ما تحصلُ به المواجهة، وقد بين العلماء حد الوجه الذي يجبُ استيعابه في الوضوء، ويُشرع للمرأة كشفه في الصلاة، قال الشيرازي: ثم يغسل وجهه وذلك فرض لقوله تعالى: فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ. والوجه ما بين منابت شعر الرأس إلى الذقن ومنتهى اللحيين طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً. انتهى.. وقال النووي في المجموع معلقاً: هذا الذي ذكره المصنف في حد الوجه هو الصواب الذي عليه الأصحاب ونص عليه الشافعي رحمه الله في الأم. انتهى. وقال أيضاً: والوجه عند العرب ما حصلت به المواجهة. انتهى.
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع": ولم يذكر في ظاهر الرواية حد الوجه، وذكر في غير رواية الأصول أنه من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن، وإلى شحمتي الأذنين، وهذا تحديد صحيح، لأنه تحديد الشيء بما ينبئ عنه اللفظ لغة، لأن الوجه اسم لما يواجه الإنسان، أو ما يواجه إليه في العادة، والمواجهة تقع بهذا المحدود. انتهى..
وبهذا كله يتبين أن أسفل الذقن ليس من الوجه، ولا يجوزُ للمرأة كشفه في الصلاة، لأنه ليس مما تحصلُ به المواجهة، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 119152، وقد بينا وجوب ستر ما بين الرقبة والذقن في حق المرأة في الصلاة في الفتوى رقم: 33711.
ومن كانت تُصلي كاشفة عن شيء من العورة الواجب سترها في الصلاة، فالواجبُ تعليمها ومناصحتها، وأن يُبين لها كلام أهل العلم في المسألة، وأما ما مضى من صلوات فلا تلزمُ إعادتها لمن كان جاهلا بالحكم الشرعي، فقد سئلت اللجنة الدائمة: منذ فترة كنت أصلي بدون حجاب، لأنني كنت لا أعلم بوجوب الحجاب في الصلاة فهل تجب إعادة تلك الصلاة مع أنها كانت فترة طويلة (6 سنوات) تقريباً أو أكثر من النوافل والسنن؟ فأجابت اللجنة: إذا كان الواقع ما ذكر من جهلك بما يجب ستره في الصلاة فلا إعادة عليك لصلاة المدة الماضية، وعليك التوبة إلى الله من ذلك، ويشرع لك الإكثار من الأعمال الصالحة، لقول الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى. وما جاء في معناها من الآيات، مع العلم بأن الوجه يشرع للمرأة كشفه في الصلاة إذا لم يكن لديها من يجب التحجب عنه. انتهى.
وأما هل تبطلُ صلاة من صلت، وهي كاشفة لهذا الجزء، فالواجبُ أن يعلم أن ستر العورة شرطٌ في صحة الصلاة، واختلف العلماء فيما إذا انكشف شيء يسير من العورة في أثناء الصلاة، فذهب الشافعية إلى بطلان الصلاة بذلك، وذهب الجمهور إلى العفو عما ينكشف من العورة من الشيء اليسير، قال ابن قدامة رحمه الله: فإن انكشف من العورة يسير. لم تبطل صلاته نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: تبطل لأنه حكم تعلق بالعورة فاستوى قليله وكثيره، كالنظر ولنا: ما روى أبو داود بإسناده عن أيوب عن عمرو بن سلمة الجرمي قال: انطلق أبي وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه، فعلمهم الصلاة، وقال: يؤمكم أقرؤكم فكنت أقرأهم فقدموني فكنت أؤمهم وعلي بردة لي صفراء صغيرة، وكنت إذا سجدت انكشفت عني، فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم. فاشتروا لي قميصاً عمانياً، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به. ورواه أبو داود والنسائي أيضاً، عن عاصم الأحول عن عمرو بن سلمة قال: فكنت أؤمهم في بردة موصلة فيها فتق فكنت إذا سجدت فيها خرجت استي. وهذا ينتشر ولم ينكر، ولا بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكره ولا أحد من أصحابه، ولأن ما صحت الصلاة مع كثيره حال العذر، فرق بين قليله وكثيره في غير حال العذر، كالمشي؛ ولأن الاحتراز من اليسير يشق، فعفي عنه كيسير الدم. إذا ثبت هذا فإن حد الكثير ما فحش في النظر. انتهى.
ورجحَ شيخُ الإسلام قول الجمهور وهو أن الصلاةَ لا تبطل بانكشافِ شيءٍ يسير من العورة، قال رحمه الله: إذا انكشف شيء يسير من شعرها وبدنها لم يكن عليها الإعادة، عند أكثر العلماء وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، وإن انكشف شيء كثير، أعادت الصلاة في الوقت، عند عامة العلماء ـ الأئمة الأربعة، وغيرهم. انتهى.. والظاهر أن انكشاف هذا الجزء لا تبطلُ به الصلاة، لأنه يسير غير فاحش في النظر، وإن كان الذي ينبغي الحرصُ على ستره خروجاً من خلاف من أبطل الصلاة بانكشاف الشيء اليسير فيها.
والله أعلم.