عنوان الفتوى : كيف يتصرف مع والده الذي يترك الصلاة ويشرب الخمر ويتناول المخدرات ؟
ما حكم هجري لأبي لأنه لا يصلي ، وإذا صلى يصلي بالبيت ، ويتعاطى الحبوب، والمسكر ، بالرغم من نصحي له باستمرار ، ولا يقدِّر أني شاب ملتزم ؟ وهل عليَّ إثم في عدم إعطائه فلوساً عندما يطلبني ، لأني أعلم أنه سوف يصرفها فيما يغضب الله ؟ .
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يهدي والدك للحق ، وفعل الصواب ، وأن يخلصه من المنكرات والآثام
، ونسأله تعالى أن يُعظم لك الأجر على صبرك ، وتحملك ، وعلى غيرتك على الشرع .
واعلم – أخي السائل – أن ما تحكيه عن والدك أمر جلل ، وتركه للصلاة كفر يخرج به من
الملة ، وليس الأمر كذلك لو أنه صلى في البيت ؛ فإن ترك صلاة الجماعة في المسجد أمر
يترتب عليه الإثم العظيم ، ويجعل صاحبه تحت الوعيد ، لكن لا يكفر بذلك .
ولا يشك مسلم في حرمة الخمر ، وسوء أثرها على البدن ، والعقل ، وخطر آثارها على
البيت والمجتمع ، والأمر أشد – حكماً ، وأثراً – إذا كان يتناول معها الحبوب
المخدرة ، كما ذكرت عن والدك ، فقد جمع أنواع الخبائث في المسكر ، هداه الله ، ورده
إلى طاعته .
وبسبب هذه الحال التي وصل لها والدك : فإن عليك أن تفكر مليّاً بدعوته ، وهدايته ،
وأن تعوِّد نفسك على الصبر على ذلك ، ومزيد من التحمل ؛ وذلك لأسباب :
1. أنه من حق والدك عليك : أن تدعوه للاستقامة ، وأن تبذل ما في وسعك لئلا يموت على
تلك الحال السيئة .
2. كما أن من حق أهلك عليك : أن تنقذهم من خطر والدك ، وأن تنتشلهم من براثن معاصيه
ومنكراته ، ولا يمكن أن يكون – غالباً – مثل هذا في بيت فيه زوجة وأولاد : إلا
وينتقل من شره وسوء تصرفاته وقبح أفعاله لهم ، وقد يفتن بمنكراته تلك بعض من في
البيت من أهلك ، فلهذا صار من حقهم عليك أن تجعل بينهم وبين الفتنة بوالدهم حاجزاً
منيعاً .
واعلم – أخي السائل – أنه ليس بالهجر تُحل مثل تلك المشكلات ؛ لأن مثل ذلك الهجر
الذي تذكره في سؤالك هو إراحة لك ، وتخلصٌ من حملٍ ثقيل ، وهمٍّ وغمٍّ عظيمين عليك
، وليس في الهجر مصلحة للمهجور ليرتدع ، ويرعوي عن أفعاله ، ومنكراته ، فكن على علم
بهذا ، وإياك أن تفعل ما ترتاح به ليشقى أهلك بسببه .
ولو كنَّا نرى خطراً عليك بمنكرات والدك ، وأنك قد تفتن بتلك المعاصي لكان للهجر
لتلك البيئة التي تعيش فيها وجه من الصواب ، لكن يظهر لنا من التأمل في سؤالك أنه
ليس ثمة خطر عليك من منكرات والدك وأفعاله السيئة .
نعم ، يمكنك ترك الإنفاق عليه ، والامتناع عن إعطائه المال ؛ لئلا يستعمله في شراء
المحرَّمات ، بل يحرم عليك بذل شيء من المال وأنت تعلم أنه يستعمله في المحرَّمات ،
والله تعالى أمرنا بالتعاون على البر والتقوى ، ونهانا عن التعاون على الإثم
والعدوان فقال : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا
عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ ) المائدة/من الآية2
، ولا شك أن إعطاء والدك من المال ما يشتري به تلك المحرمات يعد من التعاون على
الإثم والعدوان ، وفي الوقت نفسه لا تعاقب أهلك بترك الإنفاق عليهم ، بل تعاهدهم
بالنفقة ، كما تتعاهدهم بالنصح ، والتوجيه ، والإرشاد .
وابذل ما تستطيعه من وسائل شرعية مباحة في دعوة والدك وهدايته ، ومن ذلك :
1. انظر من يمكنه التأثير عليه من أقربائه ، أو جيرانه ، أو أصدقائه ، العقلاء ،
الأمناء ، واجعلهم يسعون معك في ثنيه عن تصرفاته المنكرة ، وكف نفسه عن ارتكاب
الموبقات .
2. ولك أن تفصل أهلك – والدتك وأشقاءك – عنه ، فتجعلهم في بيت خاص مستقل ، فلعلَّ
ذلك أن يؤثر فيه ، فيترك ما يغضب ربه ، ويعرضه للوعيد .
3. وعليك أن تقف موقفاً شديداً من قرناء السوء الذين يحثون والدك ويشجعونه على
ارتكاب تلك المنكرات ، ولو كان بالشكوى عليهم ، أو تهديدهم بها ، مع الغلظة بالقول
والفعل .
4. كما ننصحك بالتعاون مع الإخوة في " هيئة الأمر بالمعروف " في منطقتك ؛ فإن لهم
خبرات واسعة في هذا الباب ، ولديهم طرق شتى في تخليص أصحاب المعاصي والمنكرات من
أفعالهم ومعاصيهم .
5. واحرص – أنت ووالدتك وأشقاؤك – على الدعاء له بالهداية ، والتوفيق لما يحب ربنا
ويرضى ، وأن يعجل في تركه للحرام ، ولا تغفلوا عن هذا السلاح العظيم ؛ فإن القلوب
بين يدي الله تعالى يقلبها كيف يشاء ، وقد يرى الله تعالى منكم صدقاً ، وإخلاصاً ،
في الدعاء ، فيعجل بهداية والدكم ، ويقر أعينكم برؤيته على أحسن حال .
والنظر إلى والدك يكون بعينين : بعين القدَر فترحمه ، وتشفق عليه ؛ لارتكابه
للمنكرات ، وبعين الشرع فتبغض أفعاله وموبقاته .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
وَاجْعَلْ لِقَلْبِكَ مُقْلَتينِ كِلاَهُمَا *** للحَقِّ في ذَا الخَلْقِ
نَاظِرَتَانِ
فانظُرْ بِعينِ الحُكمِ وَارحَمهُم بِهَا *** إذْ لا تُرَدُّ مَشِيئةُ الدَّيَّانِ
وانظُرْ بِعَيْنِ الأمرِ واحْمِلْهُمْ عَلَى *** أحْكَامِهِ فَهُمَا إذاً نَظَرانِ
وَاجْعَلْ لِوجْهكَ مُقْلَتَينِ كِلاَهُما *** مِنْ خَشْيِةِ الرَّحمنِ بَاكيَتَانِ
لَوْ شَاءَ رَبُّك كُنْتَ أيضاً مِثْلَهُمْ *** فَالقَلْبُ بَيْنَ أصَابِعِ
الرَّحْمَنِ
" الكافية الشافية في الانتصار للفرقة
الناجية " ( ص 19 ، 20 ) .
وقد سبق في موقعنا الجواب عن مشكلات تشبه مشكلة والدك ، وكتبنا فيها ما يمكن أن
تستفيد منه ، بالإضافة لما سبق من الجواب أعلاه ، فانظر أجوبة الأسئلة : (
95588 ) و (
104976 ) و (
27281 ) .
والله الموفق