عنوان الفتوى : إثبات صفة القدم وقواعد لمعرفة صفات الله
في صحيح مسلم، والبخاري، والترمذي، عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوى بعضها إلى بعض وتقول قط قط بعزتك وكرمك٬ ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله خلقا فيسكنهم فضل الجنة. الشيخ الغزالي-رحمه الله- أخرج الحديث من باب الصفات في كتابه سر تأخر المسلمين، ص51 وقال: قال علماؤنا- رحمهم الله- أما معنى القدم هنا فهم قوم يقدمهم الله إلى النار٬ وقد سبق في علمه أنهم من أهل النار٬ وكذلك الرجل وهو العدد الكثير من الناس وغيرهم. وأورد الأدلة على ذالك. ولكن سألت أحد المبتدئين في طلب العلم عن هذا الحديث فقال لى: القدم معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، و
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالصواب في هذه المسألة هو مذهب السلف -رضوان الله عليهم- من إثبات صفة القدم لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى، مع تفويض العلم بكيفيتها إلى الله عز وجل فهو أعلم بذاته منا.
وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة، فعن مالك، والأوزاعي، وسفيان، والليث، وأحمد بن حنبل أنهم قالوا في الأحاديث في الرؤية والنزول: أمروها كما جاءت. وروى عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة أنه قال في الأحاديث التي جاءت إن الله يهبط إلى السماء الدنيا، ونحو هذا من الأحاديث: إن هذه الأحاديث قد رواها الثقات فنحن نرويها ونؤمن بها ولا نفسرها. انظر مجموع فتاوى ابن تيمية.
وروى ابن أبي حاتم أيضا عن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول: وقد سئل عن صفات الله وما يؤمن به؟ فقال: لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه أمته لا يسع أحدا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها لأن القرآن نزل بها. اهـ
ونقل أيضا عن حنبل أنه قال: سألت أبا عبد الله -يقصد الإمام أحمد بن حنبل- عن الأحاديث التي تروى أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث فقال أبو عبد الله: نؤمن بها ونصدق بها، ولا كيف ولا معنى، ولا نرد منها شيئا، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق إذا كانت بأسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف الله تبارك وتعالى بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية ليس كمثله شيء. انظر مجموع فتاوى ابن تيمية.
والضابط في باب الإيمان بصفات الله هو أن نؤمن بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل نؤمن بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فلا ننفي عنه ما وصف به نفسه ولا نحرف الكلم عن مواضعه، ولا نلحد في أسماء الله وآياته، ولا نكيف ولا نمثل صفاته بصفات خلقه، لأنه سبحانه لا سمي له ولا كفء له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى، فإنه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا، وأحسن حديثا من خلقه.
وهذا يشتمل على قواعد لمعرفة صفات الله منها:
1- الأدلة التي تثبت بها أسماء الله وصفاته هي الكتاب والسنة، لا تثبت أسماء الله وصفاته بغيرهما.
2- الواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف، لا سيما نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها.
3- ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار، ومجهولة لنا باعتبار آخر، فباعتبار المعنى هي معلومة، وباعتبار الكيفية التي هي عليها مجهولة.
4- ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني، وهو يختلف بحسب السياق وما يضاف إليه الكلام، فالكلمة الواحدة يكون لها معنى في سياق ومعنى آخر في سياق. وتركيب الكلام يفيد معنى على وجه، ومعنى آخر على وجه.
وفي ضوء ما سبق يتضح أن الأصل في اللفظ حمله على الحقيقة إلا إذا جاءت قرينة تصرفه إلى معنى مجازي.
والأصل كذلك حمل اللفظ على ظاهره إلا إذا جاءت قرينة توجب تأويله بمعنى آخر.
وعلى ذلك فمجرد احتمال اللفظ لمعنى لغوي لا يجيز حمله على ذلك المعنى إلا بقرينة.
ومن الكتب السهلة في باب الأسماء والصفات كتاب: القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
وننصحك بقراءة الكتاب المذكور، وكذلك كتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية. وقد شرحها العلامة ابن عثيمين شرحا سهلا مفيدا. و كتاب: منهج ودراسات في آيات الأسماء والصفات. للعلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله.
وكذلك كتاب منهج الأشاعرة في العقيدة للشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي فهو بكامله رد على هذه المدرسة التي تؤول الصفات.
وإذا أردت التوسع في ذلك فاقرأ في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية المجلد الثالث: مجمل اعتقاد السلف، والمجلد الرابع: مفصل الاعتقاد. والمجلدين الخامس والسادس: الأسماء والصفات، ففيها ما يروي غليلك إن شاء الله تعالى.
وارجع كذلك إلى كتاب التسعينية في الرد على طوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة والرافضة وغيرهم. لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو داخل في مجموع الفتاوى في بعض الطبعات.
كما ننصحك بقراءة كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي، وسبقت فتوى عن إثبات صفة القدم لله سبحانه وتعالى برقم: 39292، وراجع للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 46438، 64272، 107461، 101823.
والله أعلم.