عنوان الفتوى : أهمية التآلف ونبذ التعصب وترك الخلاف
موضوعي عن قضية صوم رمضان وإثبات عيدي الفطر والأضحى. فأنا طالب أدرس بأستراليا، وللسنة الرابعة على التوالي والجالية الإسلامية بأستراليا مختلفة في إثبات دخول رمضان والعيدين، نحن الطلبة منقسمون في اتباع أي الجماعتين، فهناك جماعة يخرجون لترائي الهلال، وهناك من يتبعون أول بلد إسلامي يعلن الرؤية، وكلا الطائفتين ممن نحسبهم مجتهدون متبعون للحق. انقسام الطلبة لدينا هنا متعلق بجماعة المسجد الذي يصلون معه أو يطمئنون إليه، وبشكل دائم ينشأ بيننا جدال نحن الطلبة، فكل فريق يحاول أن يجبر مخالفيه بأن يتبعوهم، ويصل في بعض الأحيان إلى الخصام وتخطئة بعضنا للبعض، وأصبح من الجدال العقيم الخوض في هذا الموضوع، ففي السنة الأخيرة اجتهدت أنا لإغلاق هذا الموضوع ودرء فتنة الجدال التي تقود إلى زيادة الفرقة؛ بقولي: كلٌ على خيرٍ بإذن الله، فمن تبع هذه الجماعة أو تلك، فكل على خير بإذن الله، فلنتوقف عن الجدال في هذه المسألة ولنترك لكل مسلم يتبع الجماعة المجتهدة التي يطمئن إليها، ولننشغل بمزيد الطاعات والقربات عوضًا عن الإشارة بالخطأ وإثارة فتنة الخلاف. سؤالي: هل تصرفي واجتهادي هذا المشار إليه في المقولة الأخيرة صحيح، أم يظهر أني أتيت بفتوى جديدة قائلًا على الله بغير علم؟!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فكثيراً ما نبهنا وننبه على أنه ينبغي للمسلمين وبخاصةٍ من لا يقيمون في ديار الإسلام أن يحرصوا على وحدة الصف، واجتماع الكلمة، وألا تكون هذه المسائل الخلافية التي هي محل نظرٍ واجتهاد مثاراً لإيقاع العداوة، وإنشاب الخصومات، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يختلفون في مسائل ، ولا يُشنع بعضهم على بعض ولا يهجرُ بعضهم بعضا كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في غير موضعٍ من فتاواه المباركة.
وهؤلاء الأئمة الأربعة وأصحابهم تجمعُ بينهم الألفة والمحبة مع وجود الخلاف ونبذ التعصب المذموم، وثناء بعضهم على بعض أكثر من أن نحصره في هذه الفتوى المختصرة.
وقد قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي رحمه الله: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا ولقيته فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء
وقال أحمد بن حفص السعدي: سمعت أحمد بن حنبل الإمام يقول : لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً. انتهى.
فهذا هدي الأئمة الذي تلقوه من الصحابة رضي الله عنهم ، فابن مسعودٍ يختلفُ مع عمر فيما يربو على مائة مسألة، ومع هذا يقول: لقد أحببت عمر، حتى لقد خفتُ الله عز وجل، ولو أني أعلمُ أن كلباً يحبه عمر لأحببته.
والمقلدون وغالبكم منهم في سعةٍ أن يأخذ كلُ واحدٍ منهم بقول من يثق به من العلماء ، بشرط ألا ينكر على من يخالفه ما دام أن المسألة ليس فيها إجماع ولا نص قاطع، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما يسرني أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا، لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا، كان في الأمر سعة. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا قال المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره :إن المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يُتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه .انتهى.
فما فعلته بارك الله فيك هو عينُ الصواب، وقد بينا في فتاوى كثيرة سابقة أن هذه المسألة من مسائل الاجتهاد، وذكرنا ما نرجحه فيها، وانظر في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 114468، 6375 ، 29105 ، 77899 ، 100777 .
ولكننا ننصحك بأن لا تقول في شرع الله ما لا تعلم حتى تسأل.
والله أعلم.