عنوان الفتوى : وصية الآباء بالأبناء والإحسان إلى الأصهار
أنا متزوجة وأذهب كثيرا لأمي وأبي، أبي دائما يكره زوجي وكان زوجي يتحمل هذا في أول الزواج لكن بعد مرور فترة من الزمن لم يعد يحتمل وبدأ يغضب ويثور.. أنا أيضا أنزعج من أبي ولا أشعر بحبه لي وخصوصا أنه كان مسافرا للعمل بالخارج وتقاعد فأنا أفعل له ما يريد ولكن من داخلي أشعر بضيق فظيع على الرغم من حبه لابني ولكن هو يقول لا أحب أحدا مثله وفعلا وهو عصبي جدا عكس زمان عندما كان يأتي من السفر في الإجازات كان جيدا جدا في معاملته لي ولأخواتي ومعاملته ساءت لي أكثر لما تزوجت ولما تقاعد من السفر هل شعوري بالضيق الذى لا أظهره ولكن لا أقدر دائما من تصرفاته وعصبيته مع أني أنفذ ما يريد. هل يغضب ربنا مني؟ وماذا أفعل معه ومع زوجي الذي بدا بينه وبين أبي عداوة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن بر الوالد والإحسان إليه واجب ؛ لقوله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً. {النساء:36}، والإساءة إليه من العقوق. وعقوق الوالدين من الكبائر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور. أخرجه البخاري ومسلم.
فعليك أيتها السائلة أن تبري أباك وأن تحسني إليه بقدر ما تستطيعين، وعليك أن تتحملي إساءاته وأن تقابليها بالعفو والصفح والتغاضي فحق الوالد عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي, وصححه الألباني، وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني.
ولكن هذا لا يبرر عدوان الأب ولا إساءاته، لأن الله سبحانه كما وصى الأبناء بآبائهم فإنه سبحانه وصى الآباء بأبنائهم فقال سبحانه: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ {النساء: 11}، قال السعدي – رحمه الله – أي: أولادكم - يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. انتهى.
فيجب على الأب أن يتقي الله وأن يتجنب الإساءة إلى ابنته وإلى زوجها، وأن يحسن صحبتهما، وأن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم وصى بأصهاره، فقال فيما رواه مسلم وغيره: إنكم ستفتحون أرض مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما. أو قال: ذمة وصهراً. فدل هذا على أن الإحسان إلى الأصهار مطلوب.
أما ما تجدينه من ضيق في صدرك تجاه أبيك بسبب إساءته، فهذا لا لوم عليك فيه إن شاء الله ما لم يترتب عليه عقوق أو إساءة، فإن الله سبحانه قد تجاوز لهذه الأمة ما حدثت به نفسها؛ كما جاء في الحديث الصحيح: إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به. متفق عليه، بل وقد يكون هذا سببا في الأجر والثواب إن أنت جاهدت نفسك وكظمت غيظك تجاه تصرفات أبيك.
أما الواجب عليك تجاه ما بين أبيك وزوجك من مشاحنة فإنا نوصيك بما يلي:
1- حاولي ما استطعت الإصلاح بينهما وتذكيرهما بفضيلة إصلاح ذات البين وحرمة التقاطع والتدابر.
2- احذري أن تنقلي ما يكون من أحدهما من حديث يتضمن جرحا أو طعنا في الآخر، فإن هذا من النميمة المحرمة.
3- احرصي على أن تنقلي لكل منهما ما من شأنه أن يلطف الأجواء ويزيل الشحناء، ولو لم يحدث كأن تخبري أباك بحب زوجك له وثنائه عليه وحرصه على مودته وقربه، ولو كان هذا خلاف الحقيقة، ولا يعد هذا من الكذب المحرم ففي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيرا، أو يقول خيرا. جاء في فتح الباري: قال الطبري: ذهبت طائفة إلى جواز الكذب لقصد الإصلاح وقالوا: إن الثلاث المذكورة كالمثال، وقالوا: الكذب المذموم إنما هو فيما فيه مضرة، أو ما ليس فيه مصلحة. انتهى.
للفائدة تراجع الفتاوى رقم: 43891، 49481، 51926.
والله أعلم.