عنوان الفتوى : أساليب الحوار في القرآن مع المخالفين
وضع أساليب الحوار في القرآن الكريم مع التمثيل لها؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد وضع القرآن الكريم أرقى الأساليب للحوار وأعدلها مع الخصوم وأنصفها لهم ؛ فعلم أتباعه كيف يكون حوار المخالفين وأمرهم باختيار الأسلوب الحسن والأحسن.. فقال تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا {البقرة: 83} وقال تعالى: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل 125} وقال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {العنكبوت: 46}.
فنلاحظ في هذه الآيات وأمثالها أن الحوار ينبغي أن يكون باختيار الأسلوب الأحسن واحترام المخالف وذكر نقاط الاتفاق، وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ.
وتأتي قمة الإنصاف والتلطف بالمخالف في قوله تعالى:.. وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ {سبأ:25}.
قال أهل التفسير: هذا أسلوب التشكيك وحكمته التلطف بالخصم المعاند حتى لا يلجَّ في العناد ولا يفكر في الأمر الذي يجادل فيه، وإلاّ فالرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون هم الذين على هدىً، والمشركون هم الذين في ضلال مبين وهو أمر مسلم لدى طرفي النزاع. وقوله تعالى: قل لا تُسالون عما أجرمنا ولا نُسال عما تعملون وهذا أيضاً من باب التلطف مع الخصم المعاند لتهدأ عاصفة عناده ويراجع نفسه عله يثوب إلى رشده ويعود إلى صوابه. وهو غاية في الإنصاف واحترام الخصم حيث لم ينسب له الإجرام الذي نسبه لنفسه.
يقول سيد قطب رحمه الله في ظلاله: والجدل على هذا النحو المهذب الموحي أقرب إلى لمس قلوب المستكبرين المعاندين المتطاولين بالجاه والمقام، المستكبرين على الإذعان والاستسلام، وأجدر بأن يثير التدبر الهادئ والاقتناع العميق. وهو نموذج من أدب الجدل ينبغي تدبره من الدعاة..
والأمثلة على هذا كثيرة تجدينها في الحوار مع أهل الكتاب في السور المدنية وفي السور المكية مع المشركين وبين الأنبياء السابقين وأممهم.
والله أعلم.