عنوان الفتوى : لا حضارة بدون المنهج الرباني

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل يمكن إقامة حضارة إسلامية بمعزل عن القرآن الكريم؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن إقامة حضارة إسلامية بمعزل عن القرآن الكريم ضرب من المحال ونوع من الخيال، وهل الإسلام إلا القرآن؟! وهل الحضارة الحقة إلا الإسلام؟! قال تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ {الأنبياء:10}.

قال السعدي: {فِيهِ ذِكْرُكُمْ} أي: شرفكم وفخركم وارتفاعكم، إن تذكرتم به ما فيه من الأخبار الصادقة فاعتقدتموها، وامتثلتم ما فيه من الأوامر، واجتنبتم ما فيه من النواهي، ارتفع قدركم، وعظم أمركم، {أَفَلا تَعْقِلُونَ} ما ينفعكم وما يضركم؟ كيف لا ترضون ولا تعملون على ما فيه ذكركم وشرفكم في الدنيا والآخرة، فلو كان لكم عقل، لسلكتم هذا السبيل، فلما لم تسلكوه، وسلكتم غيره من الطرق التي فيها ضعتكم وخستكم في الدنيا والآخرة وشقاوتكم فيهما، علم أنه ليس لكم معقول صحيح، ولا رأى رجيح. وهذه الآية، مصداقها ما وقع، فإن المؤمنين بالرسول الذين تذكروا بالقرآن من الصحابة فمن بعدهم، حصل لهم من الرفعة والعلو الباهر، والصيت العظيم، والشرف على الملوك، ما هو أمر معلوم لكل أحد، كما أنه معلوم ما حصل لمن لم يرفع بهذا القرآن رأسا، ولم يهتد به ويتزك به، من المقت والضعة، والتدسية، والشقاوة، فلا سبيل إلى سعادة الدنيا والآخرة إلا بالتذكر بهذا الكتاب اهـ.

فحضارةٌ على غير منهج القرآن المجيد، إنما هي حضارة الموت والظلم والظلمات؛ إذ القرآن هو الروح الذي تنبعث به الحياة، والنور الذي يبصِّر من العمى وينجي من التيه، والرحمة التي تنشرح بها الصدور وتستقيم بها الأمور، كما قال تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {المائدة: 15-16} وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا {174-175}  وقال عز من قائل: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الأنعام:122}.

وتأمل ما خاطب الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {الشورى:52}.

قال السعدي: هو هذا القرآن الكريم، سماه روحًا، لأن الروح يحيا به الجسد، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح، وتحيا به مصالح الدنيا والدين، لما فيه من الخير الكثير والعلم الغزير. وهو محض منة الله على رسوله وعباده المؤمنين، من غير سبب منهم، ولهذا قال: {مَا كُنْتَ تَدْرِي} أي: قبل نزوله عليك {مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ} أي: ليس عندك علم بأخبار الكتب السابقة، ولا إيمان وعمل بالشرائع الإلهية، بل كنت أميا لا تخط ولا تقرأ، فجاءك هذا الكتاب الذي {جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} يستضيؤون به في ظلمات الكفر والبدع، والأهواء المردية، ويعرفون به الحقائق، ويهتدون به إلى الصراط المستقيم. اهـ.

ولمزيد الفائدة يمكن مراجعة الفتوى: 19338.

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
مصطلح التسامح الديني في منظور الإسلام
مفهوم أثر: سلطان ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم
صور من الرحمة والتسامح في الإسلام
الحضارة الإسلامية تجمع بين ما يصلح المعاش وما ينفع العباد في المعاد
إعلان الناخب عن مرشحه أفضل أم الإسرار به
حكم الدخول في أحزاب غير إسلامية في الدول العلمانية؟
حكم متابعة الأخبار السياسية لمن لا يستطيع تغيير الواقع
مصطلح التسامح الديني في منظور الإسلام
مفهوم أثر: سلطان ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم
صور من الرحمة والتسامح في الإسلام
الحضارة الإسلامية تجمع بين ما يصلح المعاش وما ينفع العباد في المعاد
إعلان الناخب عن مرشحه أفضل أم الإسرار به
حكم الدخول في أحزاب غير إسلامية في الدول العلمانية؟
حكم متابعة الأخبار السياسية لمن لا يستطيع تغيير الواقع