عنوان الفتوى : الحكمة من تحريم الربا
ماهي الحكمة الربانية من تحريم الربا مع العلم أن بعض الذين يتعاطونه وخاصة البنكية منه ويتعللون بأن أخذ القروض الربوية لا يضر أي طر ف.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أورد الفخر الرازي وغيره خمسة أوجه لتحريم الربا، فقال:
(المسألة الرابعة: ذكروا في سبب تحريم الربا وجوهاً:
أحدها: الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض، لأن من يبيع الدرهم بالدرهمين نقداً أو نسيئة، فيحصل له زيادة درهم من غير عوض، ومال الإنسان متعلق حاجته، وله حرمة عظيمة، قال عليه الصلاة والسلام: "حرمة مال الإنسان كحرمة دمه".
فوجب أن يكون أخذ ماله من غير عوض محرماً...
وثانيهما: قال بعضهم: الله تعالى إنما حرم الربا من حيث إنه يمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب، وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد - نقداً كان أو نسيئة - خف عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعات الشاقة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعات والعمارات.
وثالثها: قيل: السبب في تحريم عقد الربا، أنه يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض...
ورابعها: هو أن الغالب أن المقرض يكون غنياً، والمستقرض يكون فقيراً، فالقول بتجويز عقد الربا تمكين للغني من أن يأخذ من الفقير الضعيف مالاً زائداً، وذلك غير جائز برحمة الرحيم.
وخامسها: أن حرمة الربا قد ثبتت بالنص، ولا يجب أن يكون حكم جميع التكاليف معلومة للخلق، فوجب القطع بحرمة عقد الربا، وإن كنا لا نعلم الوجه فيه).
التفسير الكبير للإمام الرازي (3/74) عند تفسير الآية رقم (275) من سورة البقرة. وانظر التحرير والتنوير لابن عاشور (3/85).
وأما قولك: بأن بعض الذين يتعاطون الربا، وخاصة الصور البنكية منه، ويتعللون بأن أخذ القروض الربوية لا يضر أي طرف فيجاب عنه بأن هذا تعليل باطل، والضرر حاصل، والمفاسد ظاهرة من محق البركة، ومحاربة المرابي لله ورسوله، وتكدس الأموال في يد حفنة قليلة من الناس دون غيرهم، وأخذ أموال الناس بالباطل، إضافة إلى غضب الله وسخطه على المرابين، ويكفي أن نذكر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه" رواه الحاكم وصححه.
وبقوله صلى الله عليه وسلم: "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية" رواه أحمد.
وقد لعن الله المرابين والمتعاونين معهم، قال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء" رواه مسلم.
وأي ضرر أعظم على المرء من أن يكون في موقف من أعلن عليه الحرب من الله.
والله أعلم.