عنوان الفتوى : القول الفصل في الحجاج بن يوسف الثقفي
سمعنا خطبة للشيخ محمد عبد الملك الزغبى يقول فيها (إن الحجاج بن يوسف الثقفي كان يأتي بمن كان يغضب عليهم أو يعصوه، ثم يقول له قل إني كافر، ثم يقول بأنه تطاول على نبي الله سليمان بأنه طماع، وهذا فى خطبة باسم نهاية ظالم، وقال الشيخ مسعد أنور بأنه كان له فضل فى بعض الفتوحات، وفي تشكيل حروف القرآن، والذين قتلهم هم الخوارج، غير الزبير بن أسماء بنت أبي بكر، وقال الله أعلم هو في الجنة أم في النار،
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الحجاج بن يوسف الثقفي كانت له مثالب كثيرة، وكانت له شيء من المناقب، قال ابن كثير في البداية والنهاية: كان ناصبياً يبغض عليا وشيعته في هوى آل مروان بني أمية، وكان جباراً عنيداً، مقداما على سفك الدماء بأدنى شبهة، وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرهاً الكفر، كما قدمنا فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها وإلا فهو باق في عهدتها، ولكن قد يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه، فإن الشيعة كانوا يبغضونه جداً لوجوه وربما حرفوا عليه بعض الكلم وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات.
وقد روينا عنه أنه كان يتدين بترك المسكر، وكان يكثر تلاوة القرآن، ويتجنب المحارم، ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفروج، وإن كان متسرعاً في سفك الدماء، فالله تعالى أعلم بالصواب وحقائق الأمور وسائرها وخفيات الصدور وضمائرها، قلت: الحجاج أعظم ما نقم عليه وصح من أفعاله سفك الدماء وكفى به عقوبة عند الله عز وجل، وقد كان حريصاً على الجهاد وفتح البلاد، وكان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن، فكان يعطي على القرآن كثيراً، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا ثلثمائة درهم. والله أعلم. انتهى.
وأما الحكم عليه بالكفر فقد روي ذلك عن بعض السلف، ومنهم من روي عنه خلاف ذلك، ذكر ابن كثير في المصدر السابق نفسه: وقال يحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش اختلفوا في الحجاج فسألوا مجاهداً فقال تسألون عن الشيخ الكافر، وروى ابن عساكر عن الشعبي أنه قال: الحجاج مؤمن بالجبت والطاغوت كافر بالله العظيم كذا قال والله أعلم، وقال الثوري عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: عجباً لإخواننا من أهل العراق يسمون الحجاج مؤمناً، وقال الثوري عن ابن عوف سمعت أبا وائل يسأل عن الحجاج أتشهد أنه من أهل النار قال أتأمروني أن أشهد على الله العظيم، وقال الثوري عن منصور سألت إبراهيم عن الحجاج أو بعض الجبابرة فقال أليس الله يقول: ألا لعنة الله على الظالمين.. وبه قال إبراهيم وكفى بالرجل عمى أن يعمى عن أمر الحجاج، وقال سلام بن أبي مطيع: لأنا بالحجاج أرجى مني لعمرو بن عبيد لأن الحجاج قتل الناس على الدنيا، وعمرو بن عبيد أحدث للناس بدعة شنعاء قتل الناس بعضهم بعضاً، وقال الزبير سببت الحجاج يوماً عند أبي وائل فقال لا تسبه لعله قال يوماً اللهم ارحمني فيرحمه، إياك ومجالسة من يقول أرأيت أرأيت، وقال عوف ذكر الحجاج عند محمد بن سيرين فقال مسكين أبو محمد إن يعذبه الله عز وجل فبذنبه وإن يغفر له فهنيئاً له.. وقال أبو قاسم البغوي ثنا أبو سعيد ثنا أبو أسامة قال: قال رجل لسفيان الثوري: أتشهد على الحجاج وعلى أبي مسلم الخراساني أنهما في النار، قال: لا، إن أقرا بالتوحيد. انتهى.
والذي نراه هو التوقف في أمر تكفيره خاصة وأن ما نقل عنه من أقوال مكفرة ربما كان دسيسة من بعض أعدائه كما أشار إلى ذلك ابن كثير، ومن ثبت إسلامه بيقين لا يزول عنه ذلك إلا بيقين مثله، ولا يجوز الحكم عليه بجنة أو نار، فمذهب أهل السنة أنه لا يحكم لأحد بجنة أو نار إلا من شهد له الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 4625.
وأما ما ذكرته من كونه كان يأتي بمن يغضب عليهم ويعصونه ثم يقول له قل إني كافر، أو كونه يتطاول على نبي الله سليمان عليه السلام ويصفه بأنه طماع فلم نجد له أثراً، ولا شك أنه كان من مناقبه اهتمامه بالقرآن والجهاد والفتوحات كما تقدم من قول ابن كثير، وأما حصر من قتل من الأخيار على عبد الله بن الزبير فغير صحيح، فإنه قد قتل كثيراً من الأخيار منهم التابعي الجليل سعيد بن جبير تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما.
والله أعلم.